زخم جديد لتجميد وحدات إيثيريوم مع اقتراب تحديث “هيغوتا” 2026

شهدت ديناميكيات التجميد في شبكة إيثيريوم تحولًا لافتًا، إذ تجاوزت التدفقات الجديدة من الإيداعات عمليات السحب للمرة الأولى منذ ستة أشهر، في إشارة واضحة إلى تجدد ثقة المُدقّقين مع اقتراب نهاية عام 2025. وتُظهر بيانات قائمة انتظار مدققي إيثيريوم أن نحو 745,619 وحدة إيثيريوم تنتظر حاليًا الدخول في حالة التجميد، مع فترة انتظار تُقدَّر بنحو 13 يومًا.
في المقابل، تبلغ قائمة انتظار السحب حوالي 360,518 إيثيريوم، مع تأخير زمني يصل إلى ثمانية أيام، ما يعكس تغيرًا ملموسًا مقارنة بالأشهر الماضية، حين كانت عمليات السحب تتفوق باستمرار على الإيداعات الجديدة. وقد بدأ هذا التحول خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما تقاربت قائمتا الانتظار مؤقتًا عند مستوى يقارب 460,000 إيثيريوم لكل منهما.
ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الدخول إلى التجميد بشكل ملحوظ، في وقت يشير فيه بعض المراقبين إلى أن قائمة انتظار السحب قد تقترب من الصفر خلال الفترة المقبلة، إذا استمرت الاتجاهات الحالية على حالها.
وفي هذا السياق، وصف رئيس قسم التمويل اللامركزي في منصة موناد، “عبدول”، هذا التحول بأنه يحمل دلالة تاريخية. وأشار في منشور على منصة X إلى أن انعكاسًا مشابهًا في اتجاهات التجميد خلال يونيو الماضي سبق ارتفاعًا حادًا في سعر الإيثيريوم.
في تلك الفترة، كان سعر الإيثيريوم يدور حول 2,800 دولار أميركي، قبل أن يقفز لاحقًا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4,946 دولارًا أميركيًا بحلول أواخر أغسطس. أما حاليًا، فيتداول الإيثيريوم عند مستوى يقارب 3,000 دولار أميركي.
وتعتمد شبكة إيثيريوم على نموذج إثبات الحصة، الذي يُلزم المُدقّقين بتجميد كميات من الإيثيريوم للمساهمة في تأمين الشبكة. وبناءً على ذلك، غالبًا ما تُعدّ التغيرات في سلوك التجميد مؤشرات مبكرة على توجهات السوق؛ إذ يشير ارتفاع عمليات الخروج عادةً إلى نوايا بيع محتملة، في حين يعكس تزايد التجميد قناعة طويلة الأجل وتراجع المعروض المتاح على المدى القريب.
وفي هذا الإطار، يرى عبدول أن قائمة انتظار الخروج شكّلت مؤشرًا رئيسيًا لضغوط البيع طوال عام 2025. وقدّر أن نحو 5% من إجمالي معروض الإيثيريوم جرى تداوله منذ يوليو، وهو رقم يشمل عملية سحب كبيرة نفذتها شركة كيلن، مزود خدمات التجميد، خلال سبتمبر.
ووفقًا لتقديراته، استحوذت شركة بيتماين على ما يقارب 70% من الإيثيريوم غير المُجمّد، لتسيطر حاليًا على نحو 3.4% من إجمالي المعروض المتداول.
وكانت كيلن قد بدأت في سبتمبر عملية سحب منظمة للمُدقّقين التابعين لها، عقب ثغرة أمنية طالت منصة الأصول الرقمية سويس بورغ، موضحة أن هذه الخطوة جاءت كإجراء احترازي، وليس نتيجة تراجع في الثقة بإيثيريوم.
وبالنظر إلى المرحلة المقبلة، أشار عبدول إلى أنه في حال استمرار الاتجاهات الحالية، قد تصل قائمة انتظار خروج المُدقّقين إلى الصفر بحلول الثالث من يناير. واعتبر أن تحقق هذا السيناريو من شأنه أن يُخفف من ضغوط البيع المستمرة، ويُسهم في تهدئة ظروف السوق وتعزيز استقرارها.
في موازاة ذلك، أشار عدد من المشاركين في مجتمع الأصول الرقمية إلى تنامي الطلب من شركات إدارة الأصول الرقمية بوصفه عاملًا رئيسيًا وراء الارتفاع الأخير في عمليات التجميد. وتُظهر بيانات البلوكتشين التي رصدتها منصة Lookonchain أن شركة BitMine قامت بتجميد أكثر من 342,000 إيثيريوم، بقيمة تُقدَّر بنحو مليار دولار أميركي، خلال فترة لا تتجاوز يومين.
إلى جانب ذلك، يلفت بعض المحللين إلى عوامل إضافية قد تكون مؤثرة، من بينها التحسينات المرتقبة ضمن تحديث “بكترا” القادم لشبكة إيثيريوم، والذي يهدف إلى تبسيط آليات التجميد ورفع حدود التحقق، ما يُسهّل على كبار حاملي الأصول الرقمية توظيف رؤوس أموالهم بكفاءة أكبر.
كما يُرجَّح أن يكون تراجع المديونية في قطاع التمويل اللامركزي، الناتج عن ارتفاع تكاليف الاقتراض وتفكيك استراتيجيات التجميد بالرافعة المالية، قد أسهم بدوره في إعادة تشكيل تدفقات العرض، ودعم التحول الحالي في ديناميكيات التجميد داخل شبكة إيثيريوم.
ولا يأتي هذا التحول في سلوك المُدقّقين بمعزل عن التطورات التقنية الأوسع التي تشهدها شبكة إيثيريوم، إذ يتزامن مع تسارع واضح في وتيرة تحديثات البروتوكول الأساسية. ففي وقت سابق من هذا الشهر، اتفق مطورو إيثيريوم على اسم وتوقيت التحديث الرئيسي الثاني للشبكة والمقرر إطلاقه في عام 2026، حيث استقروا على اسم “هيغوتا” ليكون المحطة التالية في خارطة طريق تطوير البلوك تشين.
ومن المقرر أن يأتي تحديث هيغوتا بعد تحديث “غلامستردام”، الذي يُتوقع إطلاقه خلال النصف الأول من عام 2026. ووفق هذا الترتيب الزمني، يُرجّح أن يرى هيغوتا النور في النصف الثاني من العام نفسه، ما يعكس توجّهًا جديدًا لدى مطوري إيثيريوم نحو تسريع دورات التحديث، بدل الاكتفاء بإصدارات ضخمة ومتباعدة زمنيًا كما كان الحال في السنوات الماضية.
ويُنظر إلى هذا النهج المتسارع بوصفه استجابة مباشرة للانتقادات التي واجهها فريق التطوير خلال عام 2025، حيث اعتبر بعض المستخدمين والمطورين أن وتيرة تطوير البروتوكول لا تواكب النمو السريع للشبكة وارتفاع الطلب على استخداماتها، سواء في التجميد أو التمويل اللامركزي أو تطبيقات الطبقة الثانية. ومن هنا، يسعى المساهمون الأساسيون إلى توزيع التغييرات التقنية على تحديثات أقرب زمنًا وأكثر مرونة.
ومن المتوقع أن يُنهي المطورون تحديد النطاق الكامل لتحديث Glamsterdam خلال اجتماعهم مطلع يناير، وهو ما يعني أن التفاصيل الجوهرية لتحديث هيغوتا، بما في ذلك مقترحات تحسين إيثيريوم (EIPs)، لن تتضح قبل فبراير على أقل تقدير. ومع ذلك، بدأت بالفعل تكهنات مبكرة حول ملامح التحديث، لا سيما أن جزءًا من الميزات التي قد لا تُدرج في Glamsterdam قد يتم ترحيلها تلقائيًا إلى هيغوتا، كما جرت العادة في ترقيات إيثيريوم السابقة.
وفي هذا السياق، تبرز أشجار Verkle كأحد أبرز المحاور المحتملة لتحديث هيغوتا. إذ تهدف هذه البنية الجديدة للبيانات إلى تحسين كفاءة تخزين المعلومات والتحقق منها داخل عُقد إيثيريوم، ما قد يُقلّص بشكل ملموس متطلبات الأجهزة لتشغيل العُقد. وفي حال تطبيقها، يُمكن لهذا التطور أن يعزز اللامركزية على المدى الطويل، من خلال تسهيل مشاركة عدد أكبر من المُدقّقين والمشغّلين في الشبكة.
ويحمل اسم “هيغوتا” بدوره دلالة رمزية، إذ ينسجم مع تقليد إيثيريوم في الجمع بين اسم مدينة واسم نجم، حيث يُشتق من دمج «بوغوتا» كتحديث لطبقة التنفيذ و”هيزي” كتحديث لطبقة الإجماع. وكانت مؤسسة إيثيريوم قد أشارت في تدوينة حديثة إلى أن الشبكة أنهت بالفعل تحديثات رئيسية مثل PeerDAS ضمن إصدارات سابقة، وتستعد الآن للانتقال إلى مرحلة أكثر طموحًا على مستوى البنية الأساسية.
وبالنظر إلى هذه التطورات مجتمعة، يرى مراقبون أن تجدد الزخم في عمليات التجميد لا يعكس فقط تحسن المعنويات السعرية، بل يرتبط أيضًا بتوقعات تقنية إيجابية بشأن مستقبل الشبكة. فكلما ازدادت وضوح خارطة الطريق وتسارعت التحديثات الجوهرية، تعززت قناعة المُدقّقين والمستثمرين على حد سواء بجدوى تجميد الإيثيريوم على المدى الطويل، وهو ما يُفسّر جزئيًا التحول الحالي في توازن الإيداعات والسحوبات داخل شبكة إيثيريوم.



