آفاق الأصول الرقمية في الإمارات 2026: مؤشرات 2025 لرسم مستقبل القطاع
توقعات عام 2026: السيولة العالمية، حجم التداول، وتزايد دور الإمارات العربية المتحدة

دخل سوق الأصول الرقمية في دولة الإمارات عام 2025 بزخم وثقة، لكنه أنهى العام برؤية أوضح لمسار القطاع. ما ميّز الأشهر الاثني عشر الماضية لم يكن حدثًا مفصليًا واحدًا، بل سلسلة من الإشارات الهيكلية التي بدأت تشكّل ملامح آفاق 2026 لقطاع العملات الرقمية، وتقنيات البلوكتشين، والتمويل الرقمي في الدولة.
حلّت عمليات الاندماج محل التوسع السريع، وتبع التنفيذ الرقابي مرحلة الترخيص، وانتقلت البنية التحتية من وعود مستقبلية إلى تسليم فعلي على أرض الواقع. كما دخلت المصارف الإماراتية مجال الحفظ والإصدار الرقمي، فيما تراجعت المضاربات، رغم استمرارها، عن موقعها كسردية مهيمنة على المشهد، لصالح استخدامات أكثر استدامة ومؤسسية.
وبحسب بيانات Chainalysis، استقبلت الإمارات أكثر من 56 مليار دولار من القيمة المتداولة على شبكة البلوكتشين بين عامي 2024 و2025، محققة نموًا سنويًا بنسبة 33٪. ورغم أن وتيرة النمو كانت أقل مقارنة بالدورة السابقة، إلا أن هيكل النشاط يعكس سوقًا أكثر نضجًا، يقوده التدفق المؤسسي واستخدامات التجار، لا المضاربات البحتة.
تجمع هذه الإشارات مجتمعة لتشكل رؤية واضحة لآفاق الأصول الرقمية في الإمارات لعام 2026، مسلطة الضوء على مرحلة جديدة من التكامل المؤسسي والتنظيمي، والانتقال من النمو الكمي إلى النمو النوعي المستدام.
اندماجات واستحواذات منصات التداول
آفاق 2026 وعدد أقل من اللاعبين وقواعد مالية أقوى
من أبرز الإشارات التي شكلت ملامح عام 2026 كان توجه السوق نحو عمليات الاندماج والاستحواذ. فقد برز استحواذ CoinMENA كأحد أبرز صفقات الخروج خلال عام 2025، مؤكداً قدرة السوق الإماراتية على إنتاج منصات وصلت إلى مستوى من النضج يجعلها هدفاً للاستحواذ، وليس مجرد كيانات حاصلة على تراخيص رقمية.
قبل ذلك، شكّل بيع BitOasis أول انتقال ملكية جوهري لمنصة تداول مقرها الإمارات. ورغم أن العملية امتدت على مدار فترة زمنية، إلا أنها اختُتمت في 2025، منهية بذلك مسيرة BitOasis كمنصة إقليمية مستقلة.
واكتسبت الصفقة بعداً إضافياً عندما أصبحت CoinDCX، الجهة المستحوذة على BitOasis، جزءاً من منظومة Coinbase العالمية، ما حوّل BitOasis بأثر رجعي إلى نقطة دخول غير مباشرة ضمن محفظة تبادل رقمية عالمية.
آفاق عام 2026 باتت واضحة: ستواصل المنصات الأصغر الاندماج، أو الاستحواذ عليها، أو الخروج من السوق، فيما تتجه الإمارات لاستضافة عدد أقل من المنصات، لكنها تصبح أكثر قوة وانتشاراً على مستوى الأسواق العالمية، مع قواعد مالية أقوى وقدرة أفضل على الامتثال التنظيمي وخدمة العملاء المؤسسيين.
مؤسسة ADI والبنية التحتية للبلوكتشين
آفاق 2026: المرحلة الأصعب تبدأ الآن
مع إطلاق الشبكة الرئيسية وبدء تداول ممثلها الرقمي في منصات عالمية، تجاوزت مؤسسة ADI محطة مفصلية خلال عام 2025. غير أنّ هذا الإنجاز، عند النظر إليه من زاوية عام 2026، لا يُعدّ سوى بداية لمسار أكثر تعقيدًا وتحدّيًا.
فالمرحلة المقبلة تفرض على البنية التحتية الانتقال من مرحلة الإطلاق إلى إثبات الجدوى العملية، عبر تحقيق تبنٍ فعلي، وتعزيز التكامل مع المؤسسات المالية، وخلق نشاط اقتصادي حقيقي على شبكة البلوكتشين. صحيح أن بناء شبكة بلوكتشين متكاملة يُعدّ تحديًا بحد ذاته، إلا أنّ إدماجها ضمن منظومة مالية منظمة يشكّل اختبارًا أكثر حساسية وتعقيدًا.
وفي ظل تحوّل التوقعات نحو العملات المستقرة المدعومة بالدرهم الإماراتي أو بعملات أخرى، ولا سيما تلك الصادرة عن مصارف كبرى، بدأ يُنظر إلى ADI بشكل متزايد باعتبارها مسارًا ماليًا محتملاً، لا مجرد مشروع بلوكتشين مستقل. وعليه، فإن دورها في عام 2026 سيُقاس بمدى الاستخدام الفعلي والقدرة على خدمة الاحتياجات المؤسسية، لا بمجرد التفوق التقني.
بينانس: من الاحتواء إلى العودة
آفاق 2026: عملاق يعاود دخول المشهد
بحلول اللحظة التي ثبّتت فيها بينانس عملياتها العالمية تحت مظلة سوق أبوظبي العالمي (ADGM)، كان الجزء الأكثر تعقيدًا من مسار إعادة الهيكلة قد أُنجز فعليًا.
وقبل هذه الخطوة التنظيمية، أعادت سلسلة من التطورات الجوهرية تشكيل الواقع التشغيلي للمنصة. فقد أسهم حصول المؤسس على عفو رئاسي في إزالة أحد أبرز القيود التي كانت تُثقل كاهل المجموعة، الأمر الذي أعاد فتح قنوات مصرفية كانت شبه مغلقة خلال المرحلة السابقة، وهو ما انعكس مباشرة على قدرتها على العمل بالحجم والسيولة المطلوبين.
وتلا ذلك تحوّل قيادي أعاد أحد المؤسسين إلى موقع القيادة، في إشارة واضحة إلى الاستمرارية لا القطيعة. ولم يكن هذا التغيير شكليًا، بل مثّل انتقالًا من مرحلة دفاعية اتسمت بإدارة المخاطر، إلى مرحلة إعادة توسّع تقوم على الحوكمة، والامتثال التنظيمي، وإعادة البناء المؤسسي على أسس أكثر صلابة.
وبناءً عليه، لم تُشكّل خطوة الانتقال إلى ADGM نقطة انطلاق لتعافي بينانس، بقدر ما كانت تأكيدًا رسميًا على هذا التعافي.
كما أن دلالة هذا التحول تتجاوز شركة بينانس بحد ذاتها. ففي ظل إعادة تقييم المنصات العالمية لمواقع تمركز الحجم والسيولة، ومع تزايد وضوح الأطر التنظيمية وتجدّد الإمكانات المصرفية، تبرز دولة الإمارات كقاعدة تشغيلية محورية، لا كسوق هامشية. وتأتي التوقعات بإطلاق Kraken لخدماتها من دبي لتعزّز هذا الاتجاه، مؤكدة أن المنصات الكبرى ذات النهج الامتثالي باتت تنظر إلى الإمارات باعتبارها مركزًا أساسيًا ضمن استراتيجياتها العالمية.
ومع دخول عام 2026، تشهد النظرة إلى بينانس تحولًا حاسمًا. فمع استعادة القنوات المصرفية، واستقرار الوضع التنظيمي، وترسيخ القيادة، تدخل المنصة العام الجديد بقيود أقل بكثير مما كانت عليه في السابق. ومن المرجّح أن تتعمّق تدفقات السيولة، ليس فقط عبر الكيانات المرتبطة بالإمارات، بل أيضًا عبر الممرات العالمية التي لا تزال Binance تحتفظ بهيمنة هيكلية عليها.
وعليه، لم يعد السؤال المطروح في عام 2026 هو ما إذا كانت بينانس ستعود إلى النمو، بل إلى أي مدى ستستعيد حجمها السابق، وبأي وتيرة سيتم ذلك.
تمثيل الأصول رقمياً (توكنة الأصول)
آفاق 2026: المرحلة الثانية تنتقل إلى شبكة البلوكتشين
شكّلت مبادرة دائرة الأراضي والأملاك في دبي لتمثيل الأصول رقمياً (توكنة العقارات) إحدى أبرز محطات إدخال الأصول الحقيقية إلى منظومة البلوكتشين في المنطقة. غير أنّ هذه الخطوة، ومن منظور عام 2026، لا تُعدّ سوى المرحلة الأولى في مسار أطول وأكثر تعقيداً.
ففي المرحلة المقبلة، تتركّز التوقعات على تطوير قدرات أعمق على شبكة البلوكتشين، تشمل ملكية قابلة للبرمجة، وتوسيع نطاق الأصول الممثّلة رقمياً، بما يتجاوز النماذج التجريبية الحالية. وعليه، سيتمثّل التحدي الأساسي في توسيع نطاق التوكنة مع الحفاظ على اليقين القانوني، وترسيخ الثقة التنظيمية، بما يضمن قابلية هذا النمو للاستدامة على المدى الطويل.
العملات المستقرة مقابل العملات الصادرة عن البنك المركزي
آفاق 2026: المسارات الخاصة تتحرك بوتيرة أسرع
برزت العملات المستقرة المدعومة بالدولار أو بالدرهم الإماراتي، أو بغيرها من العملات، كأحد أكثر المحاور تأثيراً خلال عام 2025. فقد جرى بالفعل اعتماد عملتين مستقرتين مرتبطتين بالدرهم، في حين لا تزال عملتان أخريان في مراحل الموافقة الأولية، إلى جانب عملة مستقرة خارجية تعمل ضمن إطار سوق أبوظبي العالمي (ADGM). وفي هذا السياق، يواصل كل من ADGM ومصرف الإمارات المركزي مراجعة عدد متزايد من الطلبات الجديدة، ما يعكس زخماً تنظيمياً متصاعداً في هذا القطاع.
في المقابل، ورغم الأهمية الاستراتيجية لمشاريع العملات الصادرة عن المصارف المركزية، فإنها لم تبلغ بعد مراحل التشغيل الكامل. ومن المرجح أن يستغرق انتقالها إلى الاستخدام الواسع عدة سنوات إضافية، نظراً لطبيعتها كبنى تحتية سيادية تتطلب مستويات عالية من التنسيق والتدرّج في التنفيذ.
وعليه، تبدو إشارة عام 2026 واضحة: فالعملات المستقرة باتت حاضرة وفاعلة، وتنمو بوتيرة متسارعة، ومندمجة فعلياً في أنظمة الدفع والتسوية على شبكة البلوكتشين، في حين تواصل العملات الصادرة عن المصارف المركزية تطورها كبنية تحتية عامة طويلة الأمد.
Bybit والصدمة التنظيمية
آفاق 2026: الثقة قبل الحجم
شكّل مسار ترخيص منصة Bybit إحدى أكثر محطات عام 2025 إثارةً للجدل. فعلى الرغم من كونها ثاني أكبر منصة تداول في العالم من حيث حجم التداول، فإن تسلسل الموافقات التنظيمية، بدءاً من إشراف هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)، مروراً بالتصريح المبدئي من هيئة الأوراق المالية والسلع، وصولاً إلى الحصول على الترخيص الاتحادي الكامل، أحدث حالة من الارتباك والصدمة في أوساط السوق.
ورغم أن هذا المسار كان سليماً من الناحية القانونية، فإنه في المقابل أثار تساؤلات جوهرية حول آليات التواصل وتنسيق الأدوار بين الجهات التنظيمية المختلفة، ولا سيما في ما يتعلق بتوحيد الرسائل وتوضيح الأطر الزمنية.
وعليه، يُتوقع أن يتركّز حضور Bybit في الإمارات خلال عام 2026 بشكل أقل على توسيع الحجم والنشاط، وبشكل أكبر على بناء الثقة، وتعزيز الشفافية، والانخراط المستمر والفعّال مع المنظومة التنظيمية والمالية المحلية.
التنفيذ والانضباط السوقي
آفاق 2026: الامتثال يفرز القادرين على البقاء
كان عام 2025 أيضاً عاماً للتنفيذ الفعلي، بعدما انتقلت الجهات التنظيمية من مرحلة بناء الأطر إلى مرحلة الإشراف والتطبيق. وفي هذا السياق، فرضت سلطة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) عدداً من الغرامات على جهات مختلفة، في إشارة واضحة إلى ترسيخ مبدأ المحاسبة. وكانت قضية Fuze من أبرز هذه الحالات.
ورغم حجم الغرامة المفروضة، واصلت Fuze مسارها التوسعي، إذ افتتحت مكاتب جديدة وحافظت على قاعدة عملائها، ما يعكس تحولاً مهماً في طبيعة التنفيذ التنظيمي. فالعقوبات لم تعد تعني الإقصاء من السوق بقدر ما أصبحت اختباراً حقيقياً للقدرة على الامتثال، والصمود، والاستمرار في النمو.
وعليه، ومع دخول عام 2026، يُتوقع أن تحدد قدرة الشركات على الالتزام بالمتطلبات التنظيمية، لا سرعة الدخول إلى السوق، فرص البقاء والاستمرارية في قطاع الأصول الرقمية.
المصارف والحفظ والإصدار
آفاق 2026: المصارف تتحول إلى بنية تحتية
اتخذت المصارف خطوات حاسمة نحو الأصول الرقمية خلال عام 2025، في تحول يعكس انتقال القطاع المصرفي من دور المراقب إلى دور الفاعل. وفي هذا السياق، برز Zand Bank كمؤسسة مصرفية رائدة، من خلال تقديم خدمات حفظ الأصول الرقمية وإصدار عملة مستقرة مدعومة بالدرهم الإماراتي.
وفي موازاة ذلك، لعب MBank دوراً محورياً في إطلاق AEcoin، كما وسّع نطاق مشاركته لدعم USDU كعملة مستقرة خارجية تعمل ضمن إطار سوق أبوظبي العالمي (ADGM). ومع انضمام كل من RAK Bank وRuya Bank إلى هذا المسار، لم تعد المصارف مجرد جهات مراقِبة، بل أصبحت جزءاً أصيلاً من البنية التحتية المالية الرقمية في الدولة.
وعليه، تشير آفاق عام 2026 إلى أن المصارف ستتحول تدريجياً إلى محركات توزيع رئيسية لخدمات الحفظ، والتسوية، والعملات المستقرة، بما يعزز التكامل بين النظام المالي التقليدي ومنظومة الأصول الرقمية.
M2فصل غير مكتمل
آفاق 2026: الغموض مستمر
اتُّخذ قرار إنهاء عمليات M2 على مستوى مجلس الإدارة في عام 2025، من دون صدور بيان رسمي يوضح الأسباب أو يحدد الاتجاه المستقبلي للمشروع. وفي سوق باتت الشفافية أحد معاييره الأساسية، برز هذا الغياب بوضوح، وترك تساؤلات مفتوحة لدى الشركاء والمتعاملين على حد سواء.
وعليه، لا يرتبط ترقب عام 2026 بإحياء المشروع بقدر ما يتصل بالحاجة إلى تواصل واضح ومسؤول، ينسجم مع متطلبات النضج المؤسسي الذي بات يميّز منظومة الأصول الرقمية.
الأسواق ودورات عملات الميم
آفاق 2026: دورات أسرع ودروس أوضح
سجّل بيتكوين أعلى مستوى له على الإطلاق خلال 2025، فيما شهدت عملات الميم موجات صعود وهبوط حادة خلال أشهر قليلة. ولا تزال المضاربات جزءاً من المشهد، إلا أن السوق باتت تستوعب الدروس بوتيرة أسرع، ما يعكس قاعدة مشاركين أكثر خبرة مع دخول 2026.
آفاق الأصول الرقمية في الإمارات 2026: الاتجاه بات واضحاً
لم يكن عام 2025 عاماً للاعتماد الجماهيري، بقدر ما كان عاماً لتشييد الهيكل الأساسي للسوق. ففي هذه المرحلة، جرى تسليم البنية التحتية، وأصبحت اليوم مطالَبة بإثبات فعاليتها وجدواها العملية.
وفي السياق نفسه، انطلقت العملات المستقرة وبدأ اندماجها الفعلي في المنظومة المالية، فيما ظلت العملات الصادرة عن البنك المركزي في الأفق كمسار طويل الأمد. بالتوازي، تحولت المصارف من موقع المراقب إلى جهات فاعلة في الحفظ والإصدار، بينما انتقل المنظمون من مرحلة الإرشاد وبناء الأطر إلى مرحلة التنفيذ والرقابة.
وقد يستمر الضجيج خلال عام 2026، إلا أن آفاق الأصول الرقمية في دولة الإمارات لم تعد موضع التباس، بل باتت أكثر وضوحاً وتماسكاً.



