أخبار المنطقةإختيار المحررتقارير

الخدمات المصرفية 3.0 في 2026: عندما تفقد المصارف قدرتها على تبرير البطء

توقعات Unlock لعام 2026 — لماذا قد لا يعود التأجيل خيارًا محايدًا

الخدمات المصرفية 3.0 في عام 2026 لا تتشكل بفعل الإيمان بالعملات الرقمية، بل هي نتيجة الضغوط المتزايدة على المصارف لتبرير مسارات مالية بطيئة، مكلفة، وغير شفافة. على مدى أكثر من عقد، وُصفت المصارف بأنها بطيئة في تبني تقنيات البلوكتشين والأصول الرقمية، وكانت التبريرات الرسمية مألوفة: التنظيم، المخاطر، الامتثال، والحرص.

ومع ذلك، فإن هذه التبريرات لم تكن كافية لشرح بطء تبني التقنيات الحديثة. ففي مقابلة صحفية، لخّص أحمد بن سليم جوهر المشكلة بوضوح أكبر، مشيرًا إلى أن المصارف كانت “كسولة”، ليس بسبب نقص القدرة، بل لأن الأنظمة التقليدية استمرت في توليد الإيرادات، ولأن الاحتكاك في العمليات كان لا يزال قابلًا للتسعير، ولأن العملاء لديهم بدائل محدودة داخل النظام المالي الخاضع للرقابة.

ويفسر هذا التشخيص سبب تعثر تبني هذه التقنيات لفترة طويلة، كما يوضح لماذا من المرجح أن يبدو عام 2026 مختلفًا. فالمصارف لن تسرّع تبنيها للتقنيات الجديدة لأنها آمنت فجأة بالبلوكتشين، بل لأن نموذج الأعمال الذي كافأ عدم الكفاءة بدأ يتعرض لضغوط حقيقية، ما يدفعها أخيرًا لإعادة النظر في استراتيجياتها واعتماد الابتكار الرقمي.

كيف تعلّمت المصارف تحقيق أرباح من البطء

لم تقاوم المنظومة المصرفية العالمية التغيير ليس لأن المدفوعات العابرة للحدود كانت معطلة، بل لأنها كانت مربحة بما يكفي.
يعيش العملاء هذا الواقع يوميًا. ففي الدولة نفسها وتحت الجهة التنظيمية نفسها، يمكن لمصرف أن يفرض 30 دولارًا على تحويل بالدولار يستغرق عدة أيام للوصول، وغالبًا ما يتأخر أو يُعاد أو يتعطل بسبب إجراءات امتثال غير واضحة. بينما يفرض مصرف آخر 25 دولارًا فقط وينفذ التحويل خلال ساعة.

لا بلوكتشين، لا عملات مستقرة، ولا تقنية جديدة.
فالفرق ليس في البنية التحتية، بل في الحوافز. فالمصارف الكبرى، المحمية بحجم ميزانياتها وثقلها السوقي، تستطيع تحمّل خسارة بعض العملاء، أما المؤسسات الأصغر أو الأكثر مرونة فلا تستطيع ذلك. بالنسبة للأولى، يصبح البطء استراتيجية تسعير، وبالنسبة للثانية، تصبح الكفاءة مسألة بقاء.
لسنوات، سمح هذا الواقع للمصارف بتأجيل التحديث دون عواقب. ظلت المصارف المراسلة بطيئة، معقدة، ومكلفة، وتم تبرير الرسوم باعتبارها “إجراءات”، بينما تحمل العملاء الكلفة.
في البداية، لم يشكّل البلوكتشين تهديدًا مباشرًا لهذا النموذج، لكنه كشفه في النهاية.

لماذا يُرجّح أن يبدأ هذا النموذج في الانكسار عام 2026

ما يُرجّح أن يتغير في عام 2026 ليس الإيمان بالعملات الرقمية، بل الصعوبة المتزايدة التي ستواجهها المصارف في الدفاع عن البطء كنموذج أعمال مستدام.
طوال العقد الماضي، كان لدى المصارف خيار الانتظار؛ استمرت الأنظمة القديمة في العمل، ووفّر الغموض التنظيمي غطاءً مريحًا، وبقيت عدم الكفاءة قابلة للتسعير.

لكن هذه المساحة تضيق الآن، ويبدو أن عام 2026 سيكون النقطة التي يصبح فيها التأجيل قرارًا استراتيجيًا مكلفًا، لا خيارًا افتراضيًا محايدًا. والسبب في ذلك هيكلي وليس أيديولوجي.

تراجع الغموض التنظيمي

بحلول نهاية عام 2025، أصبح الاتجاه العالمي بشأن العملات المستقرة، والتسوية المرمّزة، والبنية التحتية للأصول الرقمية واضحًا بما يكفي لتمكين المصارف من التحرك دون الحاجة للتخمين.

في الولايات المتحدة، انتقل النقاش من الجدل المفتوح إلى بناء الأطر التنظيمية العملية.
أما في أوروبا، فقد نقلت MiCA الأصول الرقمية من مرحلة التنظير إلى منتجات مالية خاضعة لإشراف الجهات التنظيمية.
وفي آسيا، انتقلت المراكز المالية الرئيسية من التجارب المحدودة إلى أنظمة ترخيص واضحة.
تاريخيًا، لا تتحرك المصارف عندما تنضج التكنولوجيا، بل تتحرك عندما يتراجع الغموض التنظيمي إلى حد يصبح فيه عدم التحرك بحد ذاته قرارًا.
وبحلول عام 2026، سيبدو تبرير “ننتظر الوضوح” أقل إقناعًا، سواء بالنسبة للجهات التنظيمية، أو العملاء، أو مجالس الإدارة على حد سواء.

ضغوط متزايدة على اقتصاديات التحويلات العابرة للحدود

لطالما كانت المدفوعات العابرة للحدود من أكثر المجالات أمانًا للمصارف لاستخلاص الرسوم من البطء والغموض والتسويات اليدوية. ومع ذلك، فإن هذه الميزة بدأت تتآكل تدريجيًا.

حتى من دون استخدام البلوكتشين، أعادت البنية التحتية للتكنولوجيا المالية وأنظمة الدفع الفوري ضبط توقعات السوق من حيث السرعة والشفافية. فعندما يتمكن مصرف من تنفيذ تسوية دولية خلال ساعات، بينما يحتاج آخر إلى أيام — تحت الشروط التنظيمية نفسها — يتوقف البطء عن كونه أمرًا بنيويًا، ويصبح خيارًا متعمدًا يمكن ملاحظته بوضوح.

تراجع الغموض التنظيمي

وبحلول عام 2026، من المرجح أن تواجه المصارف ضغوطًا أكبر للتنافس على كفاءة أداء التسوية، وليس فقط على العلامة التجارية أو حجم الميزانية.
العملاء لم يعودوا أسرى
تقليديًا، اعتمدت المصارف على الجمود. كان تغيير المصرف عملية مؤلمة وبطيئة ومحفوفة بالمخاطر.
هذا الواقع يتغير.
فمديرو الخزينة، والمكاتب العائلية، والعملاء ذوو النشاط الدولي، باتوا يعملون عبر عدة مصارف ومحافظ ومنصات. يتم توجيه رأس المال حيث تكون سرعة التنفيذ والتوقعات أوضح. والولاء أصبح مشروطًا.
في هذا السياق، يتحول البطء من مصدر إيراد إلى سبب مباشر لخسارة العملاء.

البلوكتشين كأداة تدقيق لا كثورة

البلوكتشين لا يُجبر المصارف على التغيير، بل يكشف قصور كفاءتها ويمنعها من إخفائه.
فعندما تصبح التسوية شبه الفورية ممكنة في أماكن أخرى، ولو في مسارات محددة، لم يعد البطء داخل المصارف مقبولًا باعتباره مجرد “طبيعة العمل المالي”، بل يُنظر إليه كخيار متعمد يجب مراجعته.
وبالتالي، قد يكون هذا التحول في السمعة أكثر تأثيرًا في عام 2026 من أي اختراق تقني بحد ذاته، لأنه يضع المصارف أمام ضغوط تنظيمية وتنافسية ملموسة.

تحول عالمي لا محلي

الضغط المتصاعد مع اقتراب عام 2026 يُعدّ ظاهرة عالمية.
في الولايات المتحدة، أمضت مصارف مثل JPMorgan Chase سنوات في بناء بنية بلوك تشين داخلية وأنظمة ودائع مرمّزة — ليس لقطاع التجزئة، بل لتسوية الخزينة والمعاملات المؤسسية. ومؤخرًا، أطلق JPMorgan أول صندوق سوق نقدي مرمّز له على شبكة Ethereum، حيث تصدر وحدات الصندوق على السلسلة وتمثل ملكية في أداة تقليدية منخفضة المخاطر. هذا النموذج يتيح للمستثمرين المؤسسيين الاكتتاب والاحتفاظ ونقل الحصص مباشرة عبر البلوكتشين، ما يقلّص دورات التسوية ويخفض التعقيد التشغيلي دون تغيير طبيعة الأصل نفسه.

وفي أوروبا، استكشفت مؤسسات مثل Santander التسوية القائمة على البلوكتشين قبل أن يفرض المشرّعون ذلك. ومع دخول MiCA حيّز التنفيذ، باتت تلك التجارب أقرب إلى تحضيرات تشغيلية إلزامية منها إلى تجارب اختيارية.

أما في آسيا، فقد تقدمت مصارف في سنغافورة واليابان وهونغ كونغ في مجالات الودائع المرمّزة والتسوية الرقمية ضمن أطر خاضعة لإشراف الجهات التنظيمية. وما يُرجّح أن يتغير في 2026 ليس النية في استخدام هذه التقنيات، بل نطاق التطبيق وتوسّعها لتشمل قطاعات أوسع وأسواقًا جديدة.

لماذا يُرجّح أن يظهر التحول في الإمارات مبكرًا

لا تُعدّ دولة الإمارات استثناءً في هذا السياق، بل تمثل مرآة مبكرة للتحولات الجارية. فعملاء المصارف فيها بطبيعتهم دوليون، كما أن حركة رأس المال عبر الحدود تُعد نشاطًا يوميًا. وعندما تكون عمليات التسوية بطيئة أو مكلفة، يصبح هذا الاحتكاك ظاهرًا على الفور، ولا يبقى مخفيًا ضمن عمليات محلية محدودة.

وفي الوقت نفسه، أزال المشرّعون في الإمارات الذريعة الأكثر شيوعًا للتأجيل. فقد أصبحت الأطر التنظيمية الخاصة برموز الدفع، والحفظ، والأصول الرقمية قائمة وواضحة. وبذلك، بات بإمكان المصارف إما التحرك ضمن هذه الأطر، أو تقديم مبررات واضحة لعدم التحرك.

ونتيجةً لذلك، يفرض هذا الواقع قدرًا أعلى من الشفافية والمساءلة، ويجعل قرار التأجيل أكثر كلفة على المستوى الاستراتيجي.

المصارف الإماراتية كمؤشرات اتجاه: التحضير قبل الإذن

ما نشهده لدى المصارف الإماراتية ينبغي قراءته بوصفه تحضيرًا تنافسيًا ضمن حدود تنظيمية واضحة، لا باعتباره ريادة ابتكارية بحتة. فهذه المقاربات تنبع من حسابات الكفاءة والجاهزية، أكثر مما تعكس سباقًا تقنيًا مفتوحًا.

في هذا السياق، اتخذ Zand Bank موقعًا قائمًا على بنية مصرفية صديقة للأصول الرقمية، إذ ترتبط قيمته التشغيلية بالكفاءة والمرونة، لا بالجمود المؤسسي. وبالمثل، أتاح ruya Bank التعرض لبيتكوين ضمن إطار متوافق مع الشريعة، استجابةً لتوقعات متزايدة من العملاء بالحصول على هذا النوع من الوصول عبر قنوات موثوقة وخاضعة للرقابة.
أما MBank، فقد تحرك مبكرًا من خلال AEcoin، وذلك عقب حصوله على موافقة المصرف المركزي لإطلاق عملة مستقرة مدعومة بالدرهم. وقد استخدم البنك المال القابل للبرمجة كبنية تسوية منظمة، لا كأداة تسويق ظرفية.

وفي المقابل، لا يزال RAKBANK بانتظار موافقة المصرف المركزي على مبادرته الخاصة بالعملة المستقرة. ومع ذلك، فقد بادر في الوقت نفسه إلى دمج خدماته مع Bitpanda لتوفير وصول منظم إلى العملات الرقمية، في إشارة واضحة إلى الجاهزية التشغيلية، حتى وإن لم يكتمل الإطار بعد.
وينطبق تسلسل مشابه على First Abu Dhabi Bank، الذي يُعتقد أنه يُحضّر لإطلاق مبادرة عملة مستقرة مبنية على ADI Chain المطوّرة محليًا من قبل AD Foundation، وذلك بانتظار الموافقة التنظيمية. ويعكس اختيار بنية محلية ذات طابع مؤسسي انسجامًا مع الأطر السيادية، بدل اللجوء إلى نماذج تجريبية خارجية.

كيف قد يبدو عام 2026 عمليًا؟

من غير المرجح أن يكون التسارع في 2026 صاخبًا.
لن نشهد هجرة جماعية لعملاء التجزئة أو تخليًا مفاجئًا عن الأنظمة التقليدية. بل سيكون التغيير عمليًا وتدريجيًا:

  • إدخال مسارات عملات مستقرة لتسوية المعاملات المؤسسية
  • احتفاظ بأدوات مالية مرمّزة ضمن ميزانيات خاضعة للرقابة
  • التعامل مع الحفظ كبنية أساسية لا ميزة تنافسية
  • تطور البطاقات والمحافظ لتضم الأصول الرقمية كخيار افتراضي
    ستستمر المصارف في فرض رسوم مقابل الخدمة.
    لكنها ستجد صعوبة متزايدة في تبرير الرسوم مقابل البطء.

الخدمات المصرفية 3.0 كمساءلة

لم تكن المصارف بطيئة لأنها تفتقر إلى المعرفة، بل لأنها كانت تستفيد من عدم الكفاءة. غير أن عام 2026 يبدو مرشحًا لأن يكون اللحظة التي تبدأ فيها هذه المعادلة بالضعف.

ومع تزايد الوضوح التنظيمي، وتراجع صبر العملاء، ونضوج المسارات البديلة، تجد المصارف نفسها أمام خيارات أضيق: إما تحقيق الإيرادات من خلال إضافة قيمة حقيقية، أو المخاطرة برؤية رأس المال يتجاوزها بحثًا عن كفاءة أعلى.

في هذا السياق، لا تتعلق الخدمات المصرفية 3.0 بفكرة الاضطراب بقدر ما تتعلق بالمساءلة. ومع اقتراب عام 2026، لم تعد البنية التحتية بالكامل في صالح المصارف، كما لم يعد البطء خيارًا يمكن الدفاع عنه.

وليد أبو زكي

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة آنلوك بلوكتشين-Unlock Blockchain والمدير التنفيذي لشركة الاقتصاد والأعمال. حائز على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة بيروت العربية، عمل في المجال المصرفي لسنوات، لينتقل بعدها للعمل في مجلة الاقتصاد والأعمال كمحرر متخصص في القطاع المالي والمصرفي، وأشرف على إدارة وتأسيس العديد من المؤتمرات الاقتصادية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى