أخبار المنطقةأخبار حكوميةأصول ممثلة رقميًاإختيار المحررويب 3.0

تحوّل السعودية نحو العملات الرقمية: بين الحماية والسيطرة والتجريب الاستراتيجي

ينما تسعى دول الخليج لترسيخ مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي، يبدو أن المملكة العربية السعودية تتخذ مسارًا مختلفًا — مسارًا حذرًا ومدروسًا يوازن بين الرقابة والابتكار.
فما نشهده اليوم هو تحوّل حقيقي في نهج المملكة تجاه الأصول الرقمية، انتقال من التحفّظ الكامل إلى مرحلة التجريب الاستراتيجي داخل الإطار الرسمي.

من التحذير إلى إعادة التموضع

منذ عام 2018، حين اجتاحت موجة العملات الرقمية العالم، أصدرت الجهات السعودية تحذيرات صارمة ضد الاستثمار فيها.
لم يكن هذا الموقف نابعًا من رفض للتقنية، بل من منطق الحماية — إذ ترى الدولة أن حماية المواطن من الأسواق غير المنظمة جزء من مسؤوليتها المباشرة.
كانت الرسالة واضحة: “لن نحميك من سوق لا يخضع لقوانيننا”.

ومع ذلك، لم يتوقّف بعض المستثمرين السعوديين عن الوصول إلى السوق عبر قنوات خارجية، أبرزها المنصات المرخصة في البحرين، ما يعكس وجود اهتمام فعلي داخل المملكة رغم غياب الإطار التنظيمي المحلي.
وهذا يجعل السعودية، بطريقة غير مباشرة، أحد مصادر السيولة الإقليمية المهمة في سوق العملات الرقمية.

البنية التحتية جاهزة… والهدف أعمق من التجزئة

على مدى السنوات الماضية، طوّرت المملكة واحدة من أكثر البنى التحتية المالية تطورًا في المنطقة — من أنظمة المدفوعات الفورية إلى المحافظ الرقمية ومنصات فنتك السعودية. لكنها لم تتجه نحو إصدار عملة رقمية للبنك المركزي (CBDC) للمستخدمين الأفراد، لأن الحاجة الحقيقية ليست في “التداول اليومي”، بل في أنظمة التسوية العابرة للحدود.
وهذا ما يفسّر مشاركة السعودية في مشروع mBridge إلى جانب الصين والإمارات وهونغ كونغ، الهادف إلى تمكين المدفوعات الفورية بين البنوك المركزية بشكل سيادي ومستقل عن النظام المالي الغربي.

العملات المستقرة تدخل النقاش الحكومي

التحول الواضح في الخطاب جاء هذا الأسبوع عبر تصريح وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، الذي تحدث عن إمكانية دمج العملات المستقرة ضمن النظام المالي السعودي بالتعاون مع البنك المركزي وهيئة السوق المالية.
ورغم أن هذا الملف لا يدخل ضمن صلاحيات وزارته مباشرة، إلا أن حديثه يؤكد أن الموضوع بات مطروحًا فعليًا على طاولة مجلس الوزراء.
هذا الاهتمام الرسمي المتزايد دفع بعض المصارف الكبرى، مثل مصرف الراجحي، إلى تذكير عملائها بمخاطر العملات الرقمية، في إشارة إلى استمرار الانقسام بين الحذر المصرفي والانفتاح المؤسسي على النقاش.

تذكير الراجحي: معارضة أم تخطيط سياسي؟

بعد تصريحات الوزير بفترة وجيزة، أصدر مصرف الراجحي تحذيرًا تذكيريًا بشأن التعامل في الأصول الرقمية غير المرخصة. وقد فسّر الكثيرون هذا التحذير على أنه شكل من أشكال المقاومة المؤسسية.
ومع ذلك، في إيقاع التواصل في المملكة العربية السعودية، غالبًا ما يكون لهذه اللحظات هدف مزدوج: الموازنة بين تشجيع الابتكار وإعطاء الطمأنينة للمستثمرين والسوق. فالتحذير لا يعني بالضرورة رفضًا للتقنيات الجديدة، بل يبرز الحرص على تنظيم التعاملات بشكل آمن ومدروس.


ومن هذا المنطلق، تؤكد البنوك على استمراريتها في تقديم خدماتها التقليدية، بينما تستمر الحكومة في استكشاف التغييرات المحتملة في إطار تنظيمي. وبهذه الطريقة، يظهر الأمر ليس كصدام بين الجهات المختلفة، بل كـ تخطيط دقيق لإدارة توقعات السوق وضمان توازن بين الابتكار والرقابة.

بين السيطرة والتجريب الاستراتيجي

ما تقوم به السعودية اليوم ليس انفتاحًا غير منضبط، بل تحول استراتيجي منظم يوازن بين السيادة النقدية والتجريب التكنولوجي. فالمملكة لا تنظر إلى العملات الرقمية كسوق مضاربة، بل كأداة تعزز الكفاءة المالية وتخدم التحول الاقتصادي ضمن رؤية 2030.
إن تحوّل السعودية نحو العملات الرقمية ليس نهاية الحذر، بل بداية مرحلة جديدة من الاختبار السيادي المنضبط، حيث تُدار التجارب من القمة وتخضع لرقابة صارمة، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار المالي مع استكشاف المستقبل الرقمي.

مكتب التحرير

مكتب التحرير في موقع آنلوك بلوكتشين الصحافي مؤلف من مجموعة من الصحافيين المتخصصين في مجال تقنيات البلوكتشين والتكنولوجيا المالية والعملات الرقمية. يهدف فريق عمل آنلوك لتزويدكم بكل التطورات والأخبار والتحليلات حول تقنية بلوكتشين والمشتقات المرتبطة بها وإلى نشر المعرفة الصحيحة حولها في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. تواصل مع فريق العمل عبر هذا البريد الإلكتروني: info(@)unlock-bc.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى