أصول غير قابلة للإستبدالإختيار المحررتقاريرتمويل لامركزيشبكات بلوكتشينشركاتمساحة رأيويب 3.0

الهوية الرقمية: من سنكون في عالم الميتافيرس؟!

يوصف الميتافيرس بأنه أحد أكبر الابتكارات التي وصلت لها التكنولوجيا في عصرنا هذا. وبينما لا تزال تعريفات الميتافيرس كعالمٍ افتراضي جديد تختلف بين مفهومٍ وآخر، وبما أن العنصر البشري هو العنصر الأساسي الذي سيدخل عالم الميتافيرس افتراضياً وسيخلق التفاعل داخله، أصبح واضحًا أن نوعاً جديداً من الهوية التي تعبر عن الفرد مطلوبٌ للتنقل داخل هذا العالم بسلاسة ووضوح وسهولة.

وحتّى يومنا هذا، عرف العالم أنواعاً عدّة من الهويات التي تطوّرت مع تقدّم التكنولوجيا. لقد شهدنا الانتقال من الهوية المادية (Physical Identity) إلى الهوية عبر الإنترنت أي الهوية الالكترونية (Online Identity) والآن إلى الهوية عبر الميتافيرس، التي تجمع ما بين الهويتين المادية والإلكترونية لتسمى “الهوية الرقمية-Digital Identity”.

لكن ماذا تعني الهوية في العالم الإفتراضي؟ كيف تتشكّل؟ وكيف تختلف عن أشكال الهوية الّتي اعتدنا عليها؟

الهوية المادية هي الهوية التي تعبّر عن أصول الفرد في الحياة كبلده وأهله والمكان الذي ولد ويعيش فيه. أما مع انطلاقة الويب 2.0، الجيل الثّاني من الويب، انبثقت الهوية الإلكترونية الّتي أصبحت تعبّر عن كيان الشّخص إلكترونياً وعن اهتماماته افتراضياً وعنوانه الإفتراضي. وتستند هذه الهوية إلى المعلومات التي تم جمعها عن الفرد كسجلّ البحث الخاص أو البيانات الديموغرافية أو سجلّ الدّردشة لتشكّل مجتمعةً الملف الشّخصي للفرد عبر الإنترنت.

أما حالياً ومع ثورة “الميتافيرس-Metaverse” و”الويب 3.0- Web 3.0″ التي نشهدها، ظهر مفهوم “الهوية عبر الميتافيرس” أو الهوية الرقمية. تقنيّاً، الهوية الرقمية التي تجمع بين الهوية المادية والهوية الإلكترونية هي “الهوية القابلة للتشغيل البيني” والتي تعبّر عن الفرد ضمن العوالم والخدمات الافتراضية كمظهره وإنجازاته وأعماله وغيرها. وفي هذه الحالة يكون الفرد مسؤولاً عن تفاعلاته ومتحكّم بمعلوماته المتعلّقة بشكله وشخصيته المعنوية وسلوكه في العالم الافتراضي (Avatar). وتجدر الإشارة إلى أن القاعدة الأساس التي تقوم عليها الهوية الرقمية هي الشبكة اللامركزية التي تقوم بواسطة تقنية البلوك تشين (Blockchain).

ماذا عن عناصر الهوية الرقمية؟

تتكون الهوية الرقمية التي تتشابه ببعض العناصر مع نظيرتها البشرية، من عناصر عدة وهي ما يلي:

  1. اسم المستخدم وكلمة السر
  2. أنشطة البحث عبر الإنترنت، كالمعاملات الإلكترونية
  3. تاريخ الميلاد
  4. رقم الضمان الاجتماعي
  5. التاريخ الطبي
  6. تواريخ الشراء أو البيع
  7. السلوك عبر الانترنت

وترتبط الهوية الرقمية بواحد أو أكثر من المعرّفات الرقمية، مثل عنوان البريد الإلكتروني أو رابط إلكتروني- URL أو الاختصاص المسمّى على الفرد في العالم الإفتراضي. وإن تدابير التحقق من الهوية الرقمية والأفراد ضرورية لضمان أمن البنية التحتية للشبكة اللامركزية التي تضم الهويات أي شبكة البلوكتشين.

الأفاتار: صورة رمزية بصرية للهوية

في عالم الميتافيرس الّذي يعتبر دمجاً ما بين العالم المادي والعالم الافتراضي بشكلٍ تفاعلي، كان لا بدّ بالتّالي مما يعبّر شكليّاً وبصريّاً عن الهويات الرقمية للأفراد داخله. وهُنا وُجدت الصّور الرمزية المعروفة بالـ “أفاتار-Avatars” وهي الأشكال التي تعبّر وتمثّل الأفراد بصريّاً في الميتافرس بتقنيات ثنائية وثلاثية الأبعاد(2D-3D).

وتنصب الشركات الكبرى اهتماماتها اليوم للتركيز الأساسي على التمثيل الافتراضي لميزات العالم الحقيقي وبشكلٍ افتراضي في عالم الميتافيرس. وقد خلق هذا منافسةً كبيرة للغاية بين هذه الشركات لتعقد اجتماعات افتراضية حيث يتم استخدام الصور الرمزية ثلاثية الأبعاد. مثلًا، تقوم شركة “Microsoft Teams” بتنشيط الصور الرمزية للأفراد عبر منصتها. ونتيجةً لذلك كله، تصبح الصور الرمزية جزء من الهويات الرقمية وامتدادًا لـلأفراد في العالم الافتراضي. ولا توجد حدود لكيفية ظهور هذه الصور الرمزية في مجتمعات الويب 3.0 والميتافيرس وكثيراً ما تختلف عن الواقع حسب أهواء الأفراد ورغبتهم في الحفاظ على هويتهم الحقيقة ذاتها في العالم الافتراضي أو العكس. هذا وتشير تقارير عدة إلى أن لاعبين كبار في مجال التكنولوجيا مثل شركة “ميتا- META” تتجه إلى تصميم الصور الرمزية بأقرب أشكالٍ ممكنة للهويات الحقيقية للأفراد وتزويدهم بالملابس مقابل الشّراء من العلامات التجارية المعروفة والشهيرة مما يفتح أسواقاً افتراضية جديدة أمام هذه العلامات لتشغيل تسويقها التجاري في عالم الميتافيرس كذلك.

للهوية والصور الرمزية أنواع في الميتافرس

وفي هذا السياق، تتفاوت الآراء وتختلف حول الشكل الذي يجب أن تأخذه الأفاتار أي الصور الرمزية في عالم الميتافيرس فيفضّل البعض أن تمثّلهم الصورة الرمزية بشكلٍ مشابه تمامًا لما هم عليه في العالم المادي الحقيقي، بينما بالمقابل تفضّل فئات أخرى أن تكون هويتهم الرقمية وصورتهم الرمزية مختلفة عن صورهم وأشكالهم في العالم المادي، وعلى العكس يسعون لخلق هوية وصورة جديدة رمزية خاصة بهم كما يحلمون بأن تكون شخصيّاتهم في الحقيقة وغيرهم ممّن يفضّلون الهوية الرقمية الغامضة ليحافظوا على خصوصيّتهم.

وهنا يبرز نوعين من الصور الرمزية:

  1. صور رمزية تشبه الإنسان (Human-like Avatars): تترجم هذه الصور الإنسان بالشكل نفسه من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي. ويأتي هذا الإصدار بشكلٍ ثنائي الأبعاد/ثلاثي الأبعاد(2D/3D) للاستفادة من الخدمات الافتراضية ولقدرة الأفراد على التفاعل بين بعضهم البعض افتراضياً.
  2. صور رمزية غير محدودة (Borderless Avatars): الحرية الإبداعية الواسعة التي تتوفر في عالم الميتافيرس والخيارات الجديدة المتاحة داخل العالم الافتراضي تخلق هذا النوع من الصور الرمزية المبتكرة التي لا حدود للإبتكار فيها والتي لا تشبه الأفراد كما هم في العالم الحقيقي وبالتالي تخلق نوعاً جديداً أيضاً من الهوية الرقمية. يمكن أن يتعرف الفرد في هذه الحالة على أشكالٍ إما غامضة أو غريبة أو فنية لم يرها من قبل.

تلعب الشركات الكبرى المتخصصة بالصور الرمزية أي – Avatars – دورًا رئيسيًا في فتح بوابة واسعة من الأفكار أمام الأفراد لتشكيل هويتهم الرقمية. على سبيل المثال، تخلق منصة “Ready Player Me”، وهي منصة متخصصة بالميتافيرس مجسمات ثلاثية الأبعاد تشبه الأفراد جاهزة لعالم الميتافيرس وبطريقة بسيطة وسهلة عن طريق تحميل صورة للفرد فقط. وبالإضافة إلى تقديم أدوات إنشاء الصورة الرمزية الفردية، يقدم اللاعبون الناجحون الآخرون مثل شركة “Genies” أدوات لإنشاء أنظمة تقنية وبيئية قائمة بحد ذاتها خاصة بالصور الرمزية. يتيح هذا النهج للمجتمعات أو العلامات التجارية أو المبدعين تطوير مجموعات الصور الرمزية الخاصة بهم مما يمكّنهم من أن يصبحوا أسماء معروفة وعلامات تجارية كبيرة وذات شهرة في عالم الميتافيرس.

سوق الهوية الرقمية في العالم الإفتراضي

يدفع التحول المتزايد للتفاعل مع الفضاء الافتراضي والميتافيرس إلى الطلب المتزايد على الخدمات والمنتجات التي تمكّن من استخدام الهوية الرقمية بأشكالٍ متعددة. وبما أن هذا المجال لا زال في بداياته، ولا زالت المفاهيم تتشكّل ضمنه من قبل رواد الأعمال الأذكياء واللاعبين الكبار، بدأت تظهر سوق أساسية تتشكّل حول مفهوم الهويات الرقمية وتأخذ أشكالاً متعددة. ووفقاً لتقارير علمية، أصبحت سوق الهوية الرقمية في العالم الافتراضي تتمثّل وفقاً للأشكال والأسس التالية:

  1. العوالم الافتراضية (Virtual Worlds)
  2. الصور الرّمزية (Avatars)
  3. أصول غير قابلة للاستبدال تعبّر عن الصور الشخصية للأفراد(NFT)
  4. البنى التحتية للهوية الرقميّة (DI Infrastructures)
  5. الموضة الرقميّة (Digital Fashion)

وفي تقريرٍ خاص لـ”ويب 3 ستوديوز”، رجّحت أنه من الممكن لقطاع الهوية الرقمية أن يحصّل أرباحاً تقدّر بقيمة 600 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030. كما توقع التقرير أن تنمو القيمة الاقتصادية لمساحة سوق الهوية الرقمية بشكل كبير خلال السنوات العشر المقبلة. فمقارنة بالتقنيات السابقة التي ظهرت مع الجيل الثاني من الويب، لم تعد الهوية الرقمية تتطلب بناء البنى التحتية التقنية الأساسية من الصفر، إذ تعمل طبيعة المصدر المفتوح لـلجيل الثالث من الويب على تسريع وقت التحول والبناء للنظام البيئي بشكل أفضل بكثير من ذي قبل. وعامل القوة الآخر هو حقيقة أن المستهلكين لديهم حماس بشكل متزايد للحصول على هويتهم الرقمية ومستعدون لدفع ثمنها حتى ولو كان باهضاً.

كيف تتحقق الثقة بالهوية الرقمية في العالم الإفتراضي؟

على عكس العالم الفعلي، تستخدم الهوية الرقمية أصولاً رقمية مشفرة (Cryptographic roots) لتحقيق الثقة بين الأفراد في العالم الإفتراضي بدلاً من الأسس والأصول الإنسانية التي يتم اعتمادها للثقة في العالم الحقيقي. فعندما نتفاعل في العالم الحقيقي، تتحقق الثقة بين الأفراد لأنهم يستطيعون رؤية ومعرفة بعضهم البعض. إلا أن هذه العناصر الحاسمة ليست متوفرة في عالم الميتافيرس إذ لا يمكن للفرد أن يعرف أبدًا ما إذا كان الشخص الذي يتفاعل معه حقيقيًا أم لا وهذا يزيد من إمكانية الاحتيال عبر الانترنت.

لذلك في العالم الافتراضي، تحتاج الهوية الرقمية إلى طرق جديدة للحفاظ على الأمان وهنا تتم الإستفادة من التقنيات المستجدة وأبرزها تقنية البلوكتشين التي يبرز دورها لتحقيق أمن الهوية الرقمية وأمن الأفراد في الميتافرس.

والحل المحتمل الذي يمكن أن يكون قائماً على تقنية البلوكتشين هو استخدام أوراق اعتماد التشفير الرقمية التي تزيد من ثقة الجماهير مع الحفاظ على ضوابط السلامة والأمن والخصوصية وخصائص تتّبع الأفراد والمعاملات. وفي حال ازدياد الإقبال على اعتماد الهويات الرقمية داخل الميتافرس، يمكن أن تصبح أوراق الاعتماد هذه معقدة للغاية مع مرور الوقت، لذا يمكن أن يتم تنظيمها بحسب المحافظ الرقمية (Digital Wallets) وفقاً لعنوان المحفظة الخاصة بكل فرد والتواريخ عبر التحقق الفوري منها.

وباستخدام تقنية البلوكتشين، يمكن تدقيق المعلومات المتعلقة بكل هوية رقمية على حدة ويمكن تتبعها والتحقق منها في ثوانٍ فقط. كما يمكن للأفراد تنظيم ملفاتهم الشخصية والتحكم في مشاركة البيانات بطريقة لا مركزية.

عدا عن ذلك، توفر البلوكتشين الحلول التي تلغي عيوب وتحديات الهوية الرقمية في عالم الميتافيرس، من خلال أنظمة إدارة الهوية الرقمية القائمة على البلوك تشين فتقضي بذلك على صعوبة شمول الأفراد وعدم تمثيلهم في العالم الافتراضي إذ تتيح فرصة الحصول على الهوية لكل الأشخاص. وكذلك تقضي على خطورة انعدام أمن البيانات وتلغي الهويات الاحتيالية نظراً للشروط الدقيقة التي تتطلّبها هذه الشبكة للحفاظ على ميزة الشفافية التي تتسّم بها تقنية البلوكتشين.

يبدو أن الشركات والمستثمرين واللاعبين الكبار اليوم يقدرون حماس الأفراد لاقتناء هوية رقمية وها هي الشركات تستثمر بشكل كبير في تطوير بنيتها التحتية، وتقوم العلامات التجارية الكبرى بتجربة المنتجات ذات الصلة وتتلقى ردود فعل إيجابية من المستهلكين. والعلامة الفارقة هي أن التجارب الرقمية للشركات، اليوم وفي هذا الوقت تطالب الأفراد بالتوافق معها لا العكس. وبذلك، يكون التفاعل البشري والتعبير عن الذات محدودًا في هذه الحقبة الابتدائية للهويات الرقمية. والرهان هو أن يكون مستقبل العوالم الافتراضية من الميتافيرس إلى بيئة الويب 3.0 عكس ذلك، منظّم وغير محدّد من قبل الشركات، وذلك يتحقق عبر تمكين المستخدمين من بناء العوالم التي يتصورونها، وعبر توفير الأدوات أمامهم لخلق عوالم مقنعة لهم، ولخوض تجارب مشتركة حية وواسعة النطاق، بما يتماشى مع هوياتهم الرقمية وقناعاتهم. والسؤال الأكبر يبقى: من سنكون إذاً في عالم الميتافيرس؟!

سيحدد هذا السؤال كيف سنتفاعل كبشر وككيانات في الميتافيرس ومن سيشارك في خلق القيمة المعنوية المضافة وكيف سيمثّل كلّ منّا نفسه وصورته داخل ذاك العالم.

غوى أسعد

غوى أسعد، صحافية ومحررة باللغة العربية في موقع "أنلوك بلوكتشين"، حازت على شهادة جامعية باختصاص "الصحافة وعلوم الإعلام" من الجامعة اللبنانية- كلية الإعلام، مهتمة بمعرفة المزيد وبالكتابة الصحفية المتخصصة عن تقنية "البلوكتشين" والعملات الرقمية وكل التقنيات المستجدة المرتبطة بهذا المجال. عملت سابقًا في مؤسسات إعلامية لبنانية. تتخصص الآن في مجال الصحافة، مهنيًّا وأكاديميًّا، تحضيرًا لنيل شهادة الماجستير في الصحافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى