إختيار المحررمساحة رأي

البلوكتشين والعملات الرقمية تفشل في أول اختبار جدي لمصداقيتها

أتت الأزمة الروسية الأوكرانية في توقيت حساس للغاية، لتطرح إشكالية جديدة لتقنية البلوكتشين والعملات الرقمية. هل حققت العملات الرقمية أهدافها التي تعبت آذاننا من سماع أهميتها في تحرير المجتمعات من سيطرة الشركات الكبرى ومصرفة من ليس لديهم حسابات مصرفية (Banking the unbanked)؟ هل استطاعت تأمين الشمولية المالية للأفراد والمجتمعات (Financial inclusion)؟ التمويل اللامركزي وتمكين المشاريع الصغيرة والإبداعية؟ أسئلة كثيرة يجوز طرحها اليوم بعد ما شهدناه من أفعال وردود أفعال على الأزمة الأوكرانية الروسية.

للأمس القريب، كان جميع المؤمنين بالعملات الرقمية وتحديداً البيتكوين، وأقول المؤمنين لأنهم يعتبرون أنفسهم كطائفة أو كأصحاب عقيدة، يشجع أحدهم الآخر ويدعمون بعضهم بعضاً، ويسمحون لأنفسهم تخوين أو تعرية من لا يوافقهم الرأي. يحتفلون ويمرحون، يتسامرون ويتشاركون صور حيازتهم الأصول الفارهة مثل اليخوت والسيارات وغيرها، لا يفرق بينهم الجغرافيا ولا اللغة ولا طريقة جمعهم لهذه الأصول، لأن ما يجمعهم أصبح كالديانة وقضيتهم أصبحت قضية إيمان وخلاص.

أسمح لنفسي، ولهذا المنبر بأن أتميز عن هذا وأقول بأننا من المؤمنين بهذه التقنية منذ اليوم الأول، ولكننا لم نؤمن في يوم من الأيام بأن هذه التقنية ستغير من الطبيعة الإنسانية بذاتها، ولم نأمل بوصولنا إلى المدينة الفاضلة عبرها.

أسأل نفسي، ما هو الفارق بين المواطن الروسي والمواطن الأوكراني؟ كلاهما مغلوب على أمره وكلاهما يطمح للعيش الكريم وكلاهما آمن في يوم من الأيام أن حيازته للعملات الرقمية قد تؤمن له ما لا تستطيع المؤسسات التقليدية أن تضمنه. ولكن يأتي مواطن آخر من دولة أخرى أو مجموعة مواطنين، يطالبون بتقييد حركة تبادل العملات الرقمية لمواطن ويدعون في الوقت نفسه للتبرع بالعملات الرقمية لمواطن آخر!

هذا لم يبدأ اليوم، ولم تكن الأزمة الأوكرانية تلوح في الأفق أصلاً، حصل شيء من هذا القبيل عندما طالب البعض منع تداول البيتكوين التي يجري تعدينها في الصين وإيران! وأتى على لسان قيادات اقتصادية تعتبر رموزاً في التنور والإبداع. حصل أيضاً عندما أصبحت كيفية تعدين البيتكوين عامل مؤثراً في قيمتها! الطاقة والأثر البيئي. ولعل الأبرز حصل، عندما تمكنت في الماضي القريب الحكومة الكندية من تجميد تبرعات من العملات الرقمية وصلت إلى محافظ سائقي الشاحنات المضربين عن العمل في كندا، وكان الهدف منها تمكينهم مالياً للاستمرار في إضرابهم.  

حسناً فعل مؤسس باينانس (Binance) عندما قال بأنه لن يوقف تداول الحسابات الروسية على باينانس، نرفع له القبعة من دون حتى الغوص في تفاصيل ما تفعله أو ما قد تفعله باينانس تحت الضغوط اللاحقة في حال استمرار الأزمة. ميتاماسك (Metamask) أعلن عبر فقاعة إعلامية عن تجميد أصول إيرانية وفينزويلية، معتمداً تقنية سخيفة للتحديد الجغرافي لهذه المحافظ، ولكن طبعاً سيخسر ميتاماسك الكثير من هذا الإعلان ولعله تسوية قام بها مؤسس إيثيريوم (Ethereum) الروسي فيتالك بوتيرن (Vitalik Buterin) لضمان استمرار أعمال الولد الأكبر على حساب الأصغر.

إن الظروف الحالية الصعبة، والتي نأمل بأن تنتهي بأقرب فرصة، أعطت بطاقة مجانية للحكومات للوصول إلى سابقة قانونية تنفيذية ستستخدم لاحقاً في حالات أخرى أقل حساسية من حالة أوكرانيا اليوم، وكل الشكر فيها لمجتمع العملات الرقمية (Crypto community) لأنه وبكل بساطة لم يجمع على حقه وحريته بحركة أمواله وطاقته التي خزنها طوال السنوات الفائتة على شكل عملات رقمية.

ما هو أكيد اليوم، بأن مخاض ولادة العملات الرقمية واقتصادها يشهد تعقيدات جدية، ومن يقفون خلفها فشلوا في حماية الوليد الجديد وقد يقتلونه من كثر جهلهم.   

وليد أبو زكي

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة آنلوك بلوكتشين-Unlock Blockchain والمدير التنفيذي لشركة الاقتصاد والأعمال. حائز على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة بيروت العربية، عمل في المجال المصرفي لسنوات، لينتقل بعدها للعمل في مجلة الاقتصاد والأعمال كمحرر متخصص في القطاع المالي والمصرفي، وأشرف على إدارة وتأسيس العديد من المؤتمرات الاقتصادية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى