من التجربة إلى التنفيذ: كيف تستعد الإمارات لحقبة الأصول الرقمية 2026؟

يشهد مركز دبي المالي العالمي تحولًا نوعيًا في قطاع العملات الرقمية وطبيعة النقاش الدائر حول مستقبله. فلم يعد السؤال المطروح يتمحور حول فرص نجاح هذه الأصول، بل بات يتركّز على الإطار التنظيمي الذي سيحكم تطورها، والجهات التي ستتولى رسم قواعد المرحلة المقبلة. ومع نهاية عام 2025، تجاوزت الإمارات دورها كوجهة جاذبة لشركات الكريبتو، لتغدو ساحة اختبار متقدمة لدمج المال الرقمي ضمن البنية الاقتصادية التقليدية.
وفي هذا السياق، دخلت الدولة مرحلة جديدة يتراجع فيها منطق الاكتفاء بالتشريعات النظرية، لصالح تطبيق منظومة رقابية أكثر صرامة وواقعية. فبعد سنوات من الانفتاح المدروس، بدأت السلطات التنظيمية عملية إعادة ضبط للسوق، تقوم على رفع معايير الامتثال والحوكمة، بحيث لم يعد التفوق حكرًا على الابتكار السريع، بل مرتبطًا بالقدرة على العمل ضمن أطر قانونية واضحة ومستدامة.
من “واحة” للتراخيص إلى ساحة للمحاسبة
على مدى السنوات الماضية، كانت مسألة الحصول على تراخيص للعمل في قطاع العملات الرقمية هي محور التركيز الرئيسي لكل من المستثمرين والمؤسسات الراغبة في الدخول إلى السوق. ومع ذلك، شهد عام 2025 تحولًا كبيرًا في الأولويات التنظيمية، إذ لم يعد الترخيص مجرد خطوة شكلية، بل أصبح نقطة انطلاق لمرحلة الرقابة الفعلية والتقييم المستمر للأداء المؤسسي. اليوم، هناك أكثر من 80 مقدم خدمة أصول رقمية مرخّص لهم عبر الهيئات الخمس للإشراف على الأصول الرقمية في الإمارات، وهو ما يعكس حجم القطاع ونضجه المتزايد، بالإضافة إلى الجدية التي تتعامل بها الجهات التنظيمية مع السوق.
في هذا السياق، تبنّت الهيئات التنظيمية، وعلى رأسها “سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية – VARA”، نهجًا رقابيًا متقدمًا يركز على الحوكمة الرشيدة، وضبط رأس المال، وتعزيز الرقابة الداخلية، والمرونة التشغيلية، إلى جانب الالتزام المستمر بالمعايير القانونية والتنظيمية. وقد أعلنت VARA أن لديها أكثر من 600 طلب تراخيص قيد الانتظار، ما يدل على أنها انتقائية جدًا في منح التصاريح، مع مستوى معايير مرتفع جدًا. وقد أصبح الترخيص شرطًا أساسيًا للانخراط ضمن منظومة مالية متطورة، تتطلب من المؤسسات المحافظة على مستوى عالٍ من الشفافية والكفاءة التشغيلية.
كما رافق هذا التحوّل في النهج الرقابي تشديد في إجراءات الإنفاذ، حيث تم تغريم عدد من الشركات لمخالفتها متطلبات الرقابة والمعايير التقريرية، ما أرسى ثقافة جديدة في السوق تقوم على المسؤولية المؤسسية والامتثال المستمر، بدلًا من الاعتماد على الحصول على الترخيص كإنجاز نهائي.
العملات المستقرة: من الابتكار التجريبي إلى ركيزة النظام النقدي
لم يعد الحديث عن العملات المستقرة في أروقة المؤسسات الإماراتية خلال عام 2025 مجرد ترف فكري أو تجارب تقنية مغلقة. لقد شهد هذا العام الانعطافة الأهم، حيث تحولّت هذه العملات من “وعود رقمية” إلى عمود فقري في البنية التحتية للمال. البداية الحقيقية كانت مع البنك المركزي الإماراتي، الذي وضع حداً للفوضى عبر إطار عمل “رموز الدفع”، راسماً خطاً فاصلاً وواضحاً بين ما هو أداة حقيقية للتسوية وما هو مجرد أصل للمضاربة.
وكانت AE Coin أول عملة مستقرة تحصل على الموافقة، تلتها Zand AED، ما يعكس نهجاً تدريجياً ومدروساً للدمج الرقمي ضمن النظام المالي. هذا التحول لم يكن مجرد “تحديث برمجي”، بل كان قراراً استراتيجياً غيّر قواعد اللعبة في كيفية تأمين المعاملات اليومية وحماية النظام المالي من الهزات.
وعلى الضفة الأخرى، لم تكن هيئة تنظيم الخدمات المالية في “مركز أبوظبي العالمي – FSRA” بعيدة عن هذا الحراك، إذ وضعت اللمسات الأخيرة على لوائحها التي ستدخل حيز التنفيذ مع مطلع 2026. هذه التعديلات لم تأتِ لتقييد النشاط، بل لهندسة المخاطر، فهي تفرض معايير تتناسب مع حجم كل مؤسسة، مما يضمن دمج هذه العملات في جسد الاقتصاد بمرونة لا تضحي بالأمان. إنها رسالة واضحة بأن الفكر التنظيمي الإماراتي قد نضج تماماً، ليتوقف عن رؤية هذه الأدوات كتجارب ويبدأ التعامل معها كجزء أصيل من هيكل مالي متكامل.
على الصعيد العملي، منح البنك المركزي الإماراتي الضوء الأخضر لـ Zand Bank لإصدار أول عملة مستقرة مدعومة بالكامل بالدرهم الإماراتي، مع الاحتفاظ بالاحتياطيات في حسابات منفصلة بالعملة المحلية. فهذه الخطوة، التي تفرض الاحتفاظ بالاحتياطيات في حسابات منفصلة ومحمية، ليست مجرد ابتكار تقني، بل هي جسر ثقة يربط النظام المصرفي التقليدي بمستقبل الرقمنة، مما يمهد الطريق لاستخدام الدرهم الرقمي في مشترياتنا اليومية بكل طمأنينة. وتجدر الإشارة إلى أن مذكرة التفاهم بين VARA وDMCC ستلعب دوراً محورياً في توكنة الأصول الحقيقية والسلع، مع الإشارة إلى أن VARA لديها أكثر من 600 طلب تراخيص قيد الانتظار، ما يظهر أنها انتقائية جدًا ومعاييرها عالية.
وفي الوقت الذي كانت فيه المؤسسات المحلية تتقدم، كانت الأنظار العالمية تتجه صوب أبوظبي، حيث حصلت شركة “سيركل – Circle” العملاقة على تصريحها المنتظر لتقديم خدماتها لعملة USDC. هذا المشهد لم يكن مجرد “توسّع تجاري”، بل كان بمثابة شهادة ثقة عالمية في البيئة التنظيمية الإماراتية، مؤكداً أن الإمارات باتت المغناطيس الأقوى للاستثمارات الرقمية الرصينة التي تبحث عن الوضوح لا الهروب.
تمثيل الأصول الحقيقية رقمياً: مستقبل التمويل الرقمي
تصدّر ملف تمثيل الأصول الحقيقية رقمياً -RWA” المشهد التنظيمي والمالي في عام 2025، ليس في الإمارات فحسب، بل على مستوى النظام المالي العالمي. وهنا، من المتوقع أن تلعب مذكرة التفاهم بين VARA وDMCC دورًا رئيسيًا في توسيع نطاق توكنة الأصول الحقيقية، بما يشمل السلع والموارد، وربطها بالاقتصاد الرقمي. هذا التحوّل يعكس توجّهًا عالميًا لإعادة تعريف مفهوم الملكية، والسيولة، وإمكانية الوصول إلى الأصول عبر تقنيات البلوكتشين.
وعلى الصعيد التنظيمي، ركزت الجهات الرقابية في الإمارات والعالم على مسألة جوهرية تتمثل في الفصل بين التقنية التي تُستخدم لتمثيل الأصل رقميًا، والتوكن الذي يمنح حامله حقوقًا قانونية قابلة للتنفيذ. هذا التمييز أصبح حجر الأساس في تقييم مشروعية نماذج الأعمال المرتبطة بتمثيل الأصول الحقيقية رقمياً ، إذ لم يعد كافيًا الادعاء بوجود أصل حقيقي خلف التوكن، بل بات مطلوبًا إثبات الإطار القانوني الذي يربط بين التوكن والحقوق الفعلية على ذلك الأصل، سواء كانت حقوق ملكية، أو عوائد، أو استخدام.
في هذا السياق، أوضحت هيئة الأوراق المالية والسلع الإماراتية أن توكنات الأصول الحقيقية لا تُصنّف كأوراق مالية إلا إذا كان الأصل الأساسي نفسه ورقة مالية وفق التعريف القانوني المعتمد، ما وفر قدرًا من الوضوح والمرونة للمشاريع العاملة في هذا المجال. في المقابل، اعترفت سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية رسميًا بفئة الأصول الرقمية المرجعية على الأصول (ARVAs)، واضعةً لها إطارًا تنظيميًا مستقلًا يراعي طبيعتها الهجينة بين الأصول التقليدية والتقنيات الرقمية. هذا النهج ساعد على تعزيز المشاريع التي تعتمد هياكل قانونية شفافة ونماذج حوكمة واضحة، في حين تراجعت مصداقية المشاريع التي تكتفي بروابط شكلية أو غير موثقة مع الأصول الحقيقية.
أما عالميًا، فقد شهد عام 2025 تسارعًا ملحوظًا في تبنّي تمثيل الأصول الحقيقية رقمياً من قبل مؤسسات مالية كبرى. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، بدأت بنوك استثمارية ومديرو أصول بتجربة توكنة السندات، وأذون الخزانة، والصناديق العقارية، بهدف تحسين كفاءة التسوية وخفض التكاليف التشغيلية. كما ركزت الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على دمج توكنات الأصول الحقيقية ضمن الأطر القائمة للأسواق المالية، بدل التعامل معها كظاهرة منفصلة، ما يعكس توجّهًا عالميًا نحو “مأسسة” هذا النوع من الأصول الرقمية.
وفي قطاع العقارات تحديدًا، برزت دبي كنموذج تطبيقي متقدم، حيث أطلقت دائرة الأراضي والأملاك في دبي مشروعًا تجريبيًا لتمثل صكوك الملكية رقمياً، يتيح تملك حصص رقمية مسجلة على البلوكتشين ضمن إطار قانوني معتمد. هذه الخطوة لا تعكس فقط نضج البيئة التنظيمية المحلية، بل تضع الإمارة في موقع متقدم مقارنة بالعديد من الأسواق العالمية التي لا تزال في مراحل الاختبار النظري. كما أنها تفتح الباب أمام توسيع قاعدة المستثمرين، وتعزيز السيولة في سوق تقليدي لطالما اتسم بارتفاع حواجز الدخول.
وبينما تتقاطع التجربة الإماراتية مع التوجهات العالمية، يتضح أن مستقبل التمويل الرقمي لن يكون قائمًا على الأصول الرقمية المجردة وحدها، بل على نماذج هجينة تربط بين القيمة الحقيقية والتمثيل الرقمي المنظم. ومع استمرار تطوير الأطر القانونية وتكاملها دوليًا، تبدو توكنات الأصول الحقيقية مرشحة لتشكيل أحد الأعمدة الأساسية للنظام المالي الجديد، حيث تلتقي الابتكار التقني مع متطلبات الثقة والاستقرار المؤسسي.
الإمارات في قلب التحوّل الإقليمي
لم تكن التحولات التي شهدها قطاع العملات الرقمية في عام 2025 حكرًا على دولة الإمارات، بل جاءت ضمن موجة أوسع من الاهتمام الإقليمي المتصاعد بالتقنيات المالية والاقتصاد الرقمي في العالم العربي. فقد بدأت العديد من الدول العربية تدرك أن الأصول الرقمية لم تعد ظاهرة هامشية أو مجالًا للمضاربة فقط، بل عنصرًا مؤثرًا في مستقبل الأنظمة المالية، والشمول المالي، وجذب الاستثمارات التقنية.
في المملكة العربية السعودية، برز تطور لافت في مقاربة العملات المستقرة، خصوصًا مع الإشارات الرسمية التي صدرت على أعلى المستويات الحكومية في أوكتوبر. فقد ألمح وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل إلى أن المملكة تقترب من إقرار العملات المستقرة كنظام للتسويات المالية للمستثمرين العالميين، وذلك في كلمته خلال افتتاح مؤتمر “بروبتك” في الرياض، حيث أكد التطلع إلى تبني هذه العملات قريبًا بالشراكة مع هيئة سوق المال والبنك المركزي السعودي. هذا التوجه يعكس انتقال النقاش من الإطار النظري إلى التخطيط العملي لدمج العملات المستقرة ضمن منظومة التسويات والاستثمار.
هذا وبرزت البحرين في 2025 كأحد أكثر الأسواق العربية تقدمًا في تنظيم الأصول الرقمية، بعد أن أصدر مصرف البحرين المركزي إطارًا تنظيميًا شاملًا للعملات المستقرة دخل حيّز التنفيذ فورًا عقب مشاورة عامة أُطلقت في أكتوبر 2024. الإطار الجديد أتاح إصدار عملات مستقرة مدعومة بالدينار البحريني والدولار الأميركي، وفتح باب الترخيص الرسمي أمام المُصدرين وأمناء الحفظ، مع فرض معايير صارمة للحوكمة وإدارة الاحتياطيات عالية الجودة ومكافحة غسل الأموال، إلى جانب السماح بنماذج مبتكرة تشمل العملات المستقرة المدرّة للعائد ضمن ضوابط تحفظ الاستقرار المالي. هذا الزخم التنظيمي امتد إقليميًا، إذ أقرّ الأردن قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية لعام 2025، في خطوة تعكس تنامي التوجّه العربي نحو تقنين القطاع بدل حصره أو تقييده. وفي البحرين، تُرجم هذا الوضوح إلى تطورات عملية، مع حصول منصة “كريبتو.كوم” على ترخيص مزود خدمات الدفع، وإطلاق بنك البحرين الوطني أول استثمار مهيكل للبيتكوين في الخليج، إلى جانب توسّع “بيت أويزس” إقليميًا عبر ترخيص جديد ومكتب في المنامة، ما يعزز موقع المملكة كمركز إقليمي واعد للأصول الرقمية والتنظيم التقدمي في العالم العربي.
وسط هذه التحركات الإقليمية المتباينة، واصلت دولة الإمارات ترسيخ موقعها كنموذج متقدم في تنظيم الأصول الرقمية. فهي لم تكتفِ بوضع أطر تشريعية أو إطلاق مبادرات تجريبية، بل نجحت في بناء منظومة متكاملة تشمل الترخيص، والإشراف المؤسسي، والحوكمة، وآليات الإنفاذ، إضافة إلى بيئة قضائية باتت أكثر خبرة في التعامل مع النزاعات المرتبطة بالعملات الرقمية. هذا التكامل منح الإمارات ميزة تنافسية واضحة، وجعلها وجهة مفضلة للشركات والمؤسسات الباحثة عن بيئة عربية بمعايير تنظيمية عالمية.
وبذلك، لم تعد الإمارات مجرد مركز إقليمي للأعمال الرقمية، بل أصبحت لاعبًا محوريًا في صياغة مستقبل التنظيم المالي في المنطقة، ومنافسًا مباشرًا لمراكز مالية دولية مثل سنغافورة والمملكة المتحدة وسويسرا. ومع اتساع الفجوة التنظيمية بينها وبين العديد من أسواق الجوار، تكرّس الدولة دورها كجسر يربط العالم العربي بالاقتصاد الرقمي العالمي، ويقود التحول نحو نظام مالي أكثر تنظيمًا واستدامة.
البُعد الجيوسياسي: لماذا الإمارات تحديدًا؟
لا يمكن فهم صعود الإمارات كمركز محوري لصناعة الأصول الرقمية بمعزل عن موقعها الجيوسياسي الفريد. فالدولة تنتهج منذ سنوات سياسة خارجية قائمة على الحياد العملي وبناء الشراكات الاقتصادية بدل الاصطفافات السياسية، ما منحها هامش حركة واسعًا في بيئة دولية تتسم بالاستقطاب والتوتر. ويُعد أحد العوامل الأساسية لاستقطاب أصحاب الثروات من عالم الكريبتو في الإمارات هو الأمان الذي توفره لهم، بالإضافة إلى الحرية في إظهار ثرواتهم، وهو ما يختلف عن الغرب.
في هذا السياق، أسهمت علاقات الإمارات المتوازنة مع الشرق والغرب في تعزيز جاذبيتها لشركات الكريبتو العالمية، التي باتت تبحث عن أسواق تضمن الاستقرار القانوني وسهولة الوصول إلى رؤوس الأموال، دون الوقوع تحت ضغوط سياسية أو تنظيمية متقلبة. فبينما تتشدد بعض الولايات القضائية في الغرب عبر تنظيم قائم على الإنفاذ، وتفتقر أسواق أخرى في الشرق إلى الوضوح التشريعي، قدّمت الإمارات نموذجًا وسطًا يجمع بين الصرامة والمرونة.
كما لعبت العقوبات الاقتصادية العالمية وتزايد القيود العابرة للحدود دورًا في إعادة توجيه جزء من نشاط شركات الأصول الرقمية نحو المنطقة، ليس بهدف الالتفاف على القوانين، بل بحثًا عن بيئة تنظيمية واضحة ومستقرة. وهنا تبرز نقطة مفصلية: فالإمارات لم تتحول إلى ملاذ للهروب التنظيمي، بل إلى “ملاذ تنظيمي آمن” قائم على قواعد شفافة، ومتطلبات امتثال محددة، وإشراف مؤسسي فعّال.
وبهذا المعنى، لم يكن تمركز شركات الكريبتو في الإمارات نتيجة فراغ تنظيمي، بل انعكاسًا لتحوّل أعمق في موازين الجغرافيا المالية العالمية، حيث أصبحت الجاذبية تُقاس بوضوح القواعد واستدامتها، لا بتساهلها.
استشراف 2026: من مرحلة التأسيس إلى حقبة السيادة المؤسسية
بينما نستعد لاستقبال عام 2026، يبدو أن سوق الأصول الرقمية في الإمارات يتأهب للدخول في مرحلة “الغربلة الكبرى”، فالمشهد لم يعد يتسع للمغامرات غير المحسوبة، والشركات التي تفتقر إلى الملاءة المالية الحقيقية أو لا تمتلك حصوناً سيبرانية منيعة، ستجد نفسها حتماً خارج الحلبة التنظيمية. نحن اليوم أمام بيئة لا تقبل بأنصاف الحلول، حيث لم تعد النزاهة التشغيلية مجرد خيار، بل أصبحت جواز المرور الوحيد للاستمرار في سوق لا يعترف إلا بالاحترافية.
هذا التحول الجذري يشير بوضوح إلى أن بوصلة القطاع تتجه الآن نحو “المأسسة” الشاملة، حيث سيتراجع ضجيج “عملات الميم” والمضاربات العشوائية، ليحل محلها صوت المشاريع الرصينة والتدفقات المؤسسية الكبرى. في هذا الأفق الجديد، لن يكون الابتكار مجرد شعار، بل سنرى عقوداً ذكية تعيد صياغة كفاءة سلاسل التوريد، ودرهماً رقمياً يثبت أقدامه كلاعب محوري في تسويات التجارة الدولية، مما يرسخ انتقال القطاع من الهامش إلى قلب النظام المالي العالمي.
أخيراً، لقد غادرت الإمارات في عام 2025 مقاعد التجربة لتأخذ مكانها الطبيعي في مقعد القيادة، والرسالة الموجهة إلى الفاعلين في هذا المضمار اليوم واضحة ولا تقبل التأويل: لم يعد الانضمام إلى هذا السوق مجرد فرصة للنمو السريع، بل هو امتثال عميق لقواعد “البيت الإماراتي” الجديدة، حيث تسود الحوكمة، ويصبح الاستقرار هو المعيار الحقيقي للريادة.



