من قلب مناظرة CZ–شيف: حرب القيمة بين الأصول التقليدية والرقمية

قدمت الجلسة الأكثر ترقبًا في أسبوع بلوكتشين من بينانس دبي ما انتظره الجمهور بفارغ الصبر: نقاشًا حادًا وشفافًا بين قائدين يجسدان فلسفتين نقديتين متعارضتين، مؤسس بينانس تشانغ بينغ “سي زد” تشاو، و”بيتر شيف”، المؤيد المخضرم للذهب، حيث تناقشا حول مستقبل القيمة في جلسة بعنوان “بيتكوين مقابل الذهب الرقمي”.
وخلال ما يقرب من 40 دقيقة من تبادل الآراء الحماسية، تحوّل النقاش سريعًا إلى مواجهة بين منطق التمويل الرقمي المستند إلى التبني والاستخدام، والنظرية النقدية التقليدية القائمة على الندرة المادية. وبينما ركز تشاو على توسع المستخدمين وفوائد الابتكار وتطور البنية التحتية، تمسّك شيف بمقاربة كلاسيكية تعطي الأفضلية للملموس والثابت. وقد تابع الحضور، الذين غلب عليهم الطابع الرقمي، النقاش عن كثب، حيث عكست تفاعلاتهم مسار الحوار.
CZ: قيمة البيتكوين تُثبت من خلال الاستخدام
رفض CZ الفرضية القائلة إن الأصول يجب أن تكون ملموسة ماديًا كي تمتلك قيمة حقيقية. وأوضح قائلًا: “معظم ما نستخدمه اليوم افتراضي”، مشيرًا إلى المنصات الرقمية وشبكات البيانات والبرمجيات بوصفها دليلًا على أن القيمة ليست حكرًا على ما هو مادي. ويرى أن بيتكوين تُجسّد أكثر شبكة مالية أمانًا وشفافية، إذ تتميز بميزة يفتقر إليها الذهب: إمداد ثابت وقابل للتدقيق بالكامل. وأضاف: “لا نعرف كمية الذهب عالميًا، بينما إمداد بيتكوين نهائي ويمكن التحقق منه. إنه الأصل الوحيد المحدود على الإطلاق”.
وانتقل CZ من النظرية إلى التطبيق الواقعي، مؤكدًا أن التبني الواسع للأصول الرقمية يبرهن على قيمتها العملية. فأوضح أن منصة Binance باتت تضم ما يقرب من 300 مليون مستخدم، فيما يعتمد ملايين الأشخاص حول العالم على البيتكوين والعملات المستقرة لتنفيذ معاملاتهم اليومية. كما تحدث عن توسّع طرق قبول التجار عبر حلول الدفع الرقمية وربط البطاقات المصرفية، إلى جانب نضوج النظام البيئي للمطورين الذي يدعم توسع الابتكار. وضرب مثالًا من أفريقيا، حيث خفّض أحد المستخدمين مدة دفع الفواتير من ثلاثة أيام إلى ثلاث دقائق فقط باستخدام بنية العملات الرقمية. وقال: “هذه ليست مضاربة، بل قيمة تُغيّر الحياة.”
شيف: البيتكوين مضاربة.. وليست مالًا
ورغم هذه الأمثلة، بقي شيف على قناعته بأن بيتكوين تفتقر إلى “القيمة الجوهرية”. ورأى أن حيازتها لا تمنح صاحبها أي منفعة فعلية سوى القدرة على نقلها لمشترٍ آخر، معتبرًا أن المشكلة ليست في كونها رقمية، بل في عدم إمكانية استخدامها بشكل مباشر أو إنتاجي. ووصف بيتكوين بأنها “قطعة رقمية للمضاربة”، بينما أيّد الذهب الرقمي، معتبرًا أن الممثلات الرقمية المدعومة بالذهب المادي تمنح ملكية حقيقية قابلة للتحقق. وأضاف: “عندما أرسل ذهبًا رقميًا، فأنا أنقل ذهبًا حقيقيًا.”
كما شبّه شيف تداول بيتكوين بنوع من المضاربة الجماعية، وهاجم بينانس واصفًا إياها بـ”كازينو كبير”، معتبرًا أن توسع قاعدة المستخدمين لا يغيّر في طبيعة المخاطرة الكامنة في الأصل ذاته.
المدفوعات: عرض حيّ لاستخدامات العملات الرقمية
وفي محاولة لدحض فكرة “عدم جدوى” العملات الرقمية، قدّم CZ مثالًا عمليًا من خلال استعراض بطاقة Binance Visa، موضحًا أنها تتيح للمستخدمين الدفع بالعملات الرقمية في أي متجر يقبل Visa، بينما يحصل التاجر في الخلفية على أمواله بالعملات الورقية دون أي تعقيد. وقال: “المستخدم يدفع رقميًا، والتاجر يتسلّم نقدًا. النظام ببساطة يعمل.”
لكن شيف قلل من أهمية هذا الاستخدام، واعتبره “مجرد بيع بيتكوين مقابل دولارات”. بينما ردّ CZ بأن الأمر لا يتعلق بشكل التسوية، بل بالتحول الفعلي نحو إنفاق العملات الرقمية، مؤكدًا: “هذا هو الجسر الحقيقي”.
الأداء والنظرة بعيدة المدى
وفيما يتعلق بالأداء، رأى شيف أن بيتكوين تشتري اليوم ذهبًا أقل مما كانت تشتريه في فترات سابقة، معتبرًا أن حركتها السوقية مدفوعة بعوامل خارجية مثل الضجيج الإعلامي، وصناديق التداول الفورية، والترويج من المشاهير، والاهتمام المحيط بالأصول غير القابلة للاستبدال، بدلًا من الأساسيات الاقتصادية.
لكن CZ دعا إلى الابتعاد عن المقارنات قصيرة الأجل والنظر إلى الاتجاه العام، مؤكدًا أن بيتكوين تفوقت عبر تاريخها على معظم فئات الأصول التقليدية. وأشار إلى أنها نمت من الصفر إلى سوق تتجاوز قيمته تريليوني دولار، بالتزامن مع توسّع المشاركة المؤسسية وتزايد حالات الاستخدام الواقعي. وختم بالقول: “اختيار إطار زمني معين لا يغيّر الاتجاه العام. التبني طويل الأمد هو المؤشر الحقيقي”.
سايلور: الرافعة المالية وحجة الكازينو
هاجم “شيف”، مايكل سايلور، منتقدًا استراتيجيته القائمة على الرافعة المالية لبيتكوين وتوقّعاته بارتفاع سعرها إلى مستويات غير مسبوقة، بما في ذلك اقتراحه الشهير بأن تصل بيتكوين يومًا ما إلى 10 ملايين دولار للعملة الواحدة. ورأى شيف أن هذه التوقعات غير منطقية، قائلاً: “لو كان ذلك واقعيًا، لكانت الأسواق قد وضعته في الحسبان بالفعل”، معتبرًا أن هذه الاستراتيجية تُضخم دورات المضاربة من خلال تراكم مفرط للأصول الممولة بالديون.
وفي المقابل، تجنّب CZ الدخول في جدل التوقعات السعرية، مؤكدًا أن القيمة السوقية تتبع التبني وليس التكهنات. وأوضح: “عندما يشارك مئات الملايين من الناس، فإنها تتوقف عن كونها كازينو وتتحول إلى شبكة مالية عالمية”.
الذهب مقابل بيتكوين: الندرة والمجتمع
واصل شيف انتقاداته بالقول إن انتشار العملات الرقمية الجديدة يُضعف هيمنة بيتكوين على المدى الطويل. غير أن CZ أعاد صياغة النقاش بطريقة مختلفة، موضحًا: “يمكن لأي شخص إطلاق ممثل رقمي، لكن لا يمكنك بناء مجتمع أو ثقة. قيمة بيتكوين تُبنى على اختيار ملايين الأشخاص لها”.
الفجوة بين الأجيال
في إطار استشراف المستقبل، توقع شيف أن يعود المستثمرون الشباب إلى الذهب بعد الخسائر التي عانوا منها في الأصول الرقمية. إلا أن CZ رفض هذه الفرضية تمامًا، مؤكدًا أن “الأجيال الرقمية الأصلية تدرك بالفعل القيمة الافتراضية. بيتكوين عالمية، متنقلة، ومقاومة للرقابة، ومصممة تمامًا للعالم الذي يعيشون فيه.”
وقد قوبل تعليق شيف بضحك من الحضور، ما يعكس أي وجهة نظر لامست الواقع بالنسبة للجمهور داخل القاعة.
نهاية غير متوقعة
على الرغم من حدّة النقاش، اختُتمت الجلسة على نحو مفاجئ بانفتاح على التعاون. فقد دعا CZ شيف لاستكشاف إمكانية إدراج أو إصدار منتجه الذهبي الرقمي على منصة بينانس، وهو اقتراح رحّب به شيف باوجود خلافاتهما.
واختتم CZ الجلسة بتصريح دبلوماسي: “سيكون أداء الذهب جيدًا. وسيكون أداء بيتكوين أفضل. يمكن لكليهما التعايش، لكن بيتكوين هو المستقبل”.
خلاصة القول: التبني يحسم الجدل
في النهاية، لم يكن النقاش بين CZ وشيف مجرد مواجهة بين شخصيتين، بل كان انعكاسًا مباشرًا لتطور السرديات النقدية عالميًا. فقد استند شيف إلى التعريفات التقليدية للمال والندرة المادية، بينما جسّد CZ الواقع الجديد الذي تتّجه إليه الأسواق: فالمال اليوم يُعرَّف أكثر بالشبكات، وسهولة الاستخدام، والسرعة، والانتشار، وليس بالشكل المادي أو اللمس المباشر.
ورغم أن الذهب لا يزال يحتفظ بدوره التاريخي كمخزن للقيمة ووسيلة للتحوّط ضد التضخم، فإن التبني المتسارع لبيتكوين، في الأسواق الناشئة، وأنظمة الدفع، والمؤسسات، والبنية التحتية، يشير إلى أن بيتكوين لا تنافس الذهب في مجاله، بل تؤسس مجالًا جديدًا ومختلفًا تمامًا.
وفي دبي، بدا واضحًا أن المستقبل لا ينتظر التقاليد كي تلحق به. فقد عبّر عن نفسه بالأرقام، ومنحنيات التبني، وضرورات العالم الحقيقي.




