أبوظبي العالمي يقرّ الإطار النهائي لتنظيم العملات المستقرة ويرسّخ معيار الإمارات الرقابي

أنهى سوق أبوظبي العالمي (ADGM) وضع إطاره التنظيمي الذي طال انتظاره للممثلات الرقمية المرتبطة بالعملات الورقية (FRTs)، مُمثلاً بذلك لحظة حاسمة في تطور الأصول الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة وتعزيز مكانتها كمركز مالي عالمي رائد في مجال التكنولوجيا المالية.
وبحسب الإطار الجديد، واعتباراً من 1 يناير 2026، تُدمج التعديلات الصادرة عن هيئة تنظيم الخدمات المالية (FSRA) أنشطة العملات المستقرة رسمياً في لوائح الخدمات والأسواق المالية لسوق أبوظبي العالمي، مُحوّلةً ما كان سابقاً نظاماً استشارياً إلى قانون نافذ بالكامل. ورغم أن هذه التعديلات تشمل أيضاً مراجعة قواعد الرسوم، إلا أن قيمتها الأساسية تكمن في نطاقها الشامل وآلياتها التنظيمية المحكمة، حيث أصبحت تحدد بشكل قانوني كل الأنشطة المتعلقة بالممثلات الرقمية المرتبطة بالعملات الورقية، بما في ذلك الإصدار والإدارة والتشغيل وتوفير الحفظ، وتخضعها لمعايير الحوكمة والامتثال نفسها المطبقة على المؤسسات المالية المرخصة الأخرى داخل سوق أبوظبي العالمي.
أساس قانوني جديد للعملات المستقرة المنظمة
يُمثل هذا الإنجاز نقطة تحول رئيسية تمنح سوق أبوظبي العالمي إطاراً دائماً وشفافاً للكيانات العاملة في مجال العملات المستقرة المدعومة بالعملات التقليدية، وهو قطاع يشهد اهتماماً دولياً متسارعاً. ووفقاً للوائح الجديدة، تُعامل الممثلات الرقمية المرتبطة بالعملات الورقية (FRTs) كأدوات مالية منظمة تُصدر وتُدار تحت إشراف هيئة تنظيم الخدمات المالية (FSRA). ونظراً لكون سوق أبوظبي العالمي منطقة مالية حرة، تُعتبر هذه العملات أدوات خارجية مخصصة للاستخدام المؤسسي وعبر الحدود، وليس للتداول داخل دولة الإمارات، الأمر الذي ينسجم مع المعايير الدولية ويضمن امتثال المُصدرين لمتطلبات رأس المال وإدارة الاحتياطيات والحوكمة، أسوةً بالمؤسسات المالية الكبرى في الأسواق العالمية.
باكسوس: الريادة المبكرة
قبل دخول الإطار النهائي حيز التنفيذ، حصلت شركة باكسوس للإصدار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة لشركة باكسوس إنترناشونال على موافقة هيئة تنظيم الخدمات المالية لإصدار “دولار ليفت” (USDL) في يونيو 2024. كانت USDL عملة مستقرة ذات عائد، مدعومة بالكامل باحتياطيات الدولار الأميركي، وموزعة تحت إشراف سوق أبوظبي العالمي، مما شكل نموذجاً مبكراً لكيفية تطبيق الإطار التنظيمي على أرض الواقع، وإن جاء ذلك في ظل إعفاء تنظيمي خاص بالمشروع.
ورغم أن هذه الخطوة مثّلت محطة تنظيمية مهمة، إلا أن العملة واجهت تبنياً محدوداً وإدراجات ضئيلة في الأسواق. وبحلول أكتوبر 2025، أعلنت باكسوس إيقاف إصدار دولار ليفت وتقليص عملياتها، مشيرةً إلى تحول استراتيجي في أولوياتها. كما تم سحب ترخيص إصدار الممثلات الرقمية المرتبطة بالعملات الورقية في أبريل 2025، رغم استمرار الشركة في الاحتفاظ بتراخيص مالية أخرى داخل السوق. ومع ذلك، لم يُنظر لتجربة USDL كفشل، بل كاختبار تنظيمي مهم ساهم في صياغة الإطار النهائي وقدّم دروساً قيّمة حول قابلية التوسع وملاءمة المنتج للسوق ضمن بيئة رقابية متقدمة.
نموذج الإمارات العربية المتحدة متعدد الطبقات
على مستوى أوسع، يُضيف الإطار التنظيمي الجديد بُعداً إضافياً إلى المشهد التنظيمي المتطور في دولة الإمارات. فقد أصبح سوق أبوظبي العالمي مركزاً مؤسسياً رائداً يركز على العملات المستقرة الخارجية والبنية التحتية للأصول الرقمية، بينما تواصل هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) في دبي الإشراف على سوق أوسع للأصول الرقمية، وتظل الجهة الوحيدة في الدولة التي تسمح حالياً بالعملات المستقرة المدعومة بعملات أجنبية داخل السوق المحلية. وفي السياق ذاته، يشرف المصرف المركزي لدولة الإمارات على تنظيم ممثلات الدفع الرقمية وتطوير مشروع الدرهم الرقمي، بما يضمن الاستقرار النقدي والامتثال الوطني.
وتُجسّد هذه الهياكل التنظيمية المتكاملة نموذج الابتكار الاتحادي في الإمارات، حيث تعمل السلطات المختلفة ضمن منظومة واضحة الحدود، متعاونة في تعزيز هدف الدولة بأن تصبح وجهة عالمية رائدة للتمويل الرقمي المنظم.
فصل جديد للعملات الرقمية المُنظّمة
ومع اكتمال إطار العملات المستقرة، انتقل سوق أبوظبي العالمي من مرحلة تجريبية إلى منظومة قانونية كاملة للممثلات الرقمية المرتبطة بالعملات الورقية، الأمر الذي يعزز موقع أبوظبي كمركز مؤسسي للأصول الرقمية ويدعم نهج الإمارات المتوازن الذي يجمع بين الابتكار والحماية التنظيمية. ويبقى التحدي القادم تجارياً؛ إذ ستتمثل الخطوة التالية في قدرة الجهات المُصدرة على تحقيق تبنٍ واسع قائم على الثقة التنظيمية، وهو ما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من النمو المؤسسي في قطاع الأصول الرقمية في المنطقة.




