المشتقات الرقمية لتجار التجزئة في الإمارات: الأولوية للتثقيف قبل النمو

وافقت هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي (VARA) على أول برنامج تجريبي في المنطقة لمشتقات العملات الرقمية لتجار التجزئة في الإمارات العربية المتحدة، والذي أُطلق بالشراكة مع OKX، ما شكّل نقطة تحول في مسيرة الأصول الرقمية في البلاد. فلأول مرة، حصل المتداولون العاديون في دبي على وصول منظم إلى العقود الآجلة والدائمة، وهي أدوات لطالما اقتصرت على مكاتب المؤسسات أو البورصات الخارجية.
ومع ذلك، بينما جذب هذا الإنجاز الانتباه، فقد أثار أيضًا سؤالًا أعمق: لماذا أطلقت VARA برنامجًا تجريبيًا من الأساس؟ يكمن الجواب في الموازنة بين الفرصة والمسؤولية، ضمان فهم المتداولين الأفراد لما سيخوضونه قبل الطرح الكامل.
ما وراء التداول الفوري: المعنى الحقيقي لمشتقات التجزئة
على عكس التداول الفوري، حيث يشتري المستخدمون ويبيعون الأصول بأسعار السوق، تتيح المشتقات للمتداولين المضاربة على تحركات الأسعار دون الحاجة لامتلاك الأصل الأساسي. وبذلك، يمكنهم التحوّط من التقلبات، وتنويع المخاطر، أو تعزيز مراكزهم باستخدام الرافعة المالية، ما يفتح أمامهم فرصًا جديدة للتحكم الاستراتيجي في محافظهم الاستثمارية.
ومع ذلك، بالنسبة لمتداولي التجزئة، يُمثّل هذا تحوّلاً كبيراً. فالمشتقات توفر أدوات كانت في السابق حكراً على المحترفين، لكنها في الوقت عينه قد تُعرّض المستثمرين عديمي الخبرة لمخاطر مُضخّمة. ومن هنا تأتي أهمية النهج المدروس والمراقب الذي اعتمدته الإمارات العربية المتحدة، حيث يسعى البرنامج التجريبي لضمان فهم المتداولين للأدوات قبل منحهم الوصول الكامل إليها، ما يوازن بين الفرصة والمسؤولية.
لماذا أرادت VARA مشروعًا تجريبيًا بدلاً من إطلاق كامل؟
عالميًا، لطالما أثارت مشتقات التجزئة جدلًا واسعًا، خاصة أن المنصات غير المنظمة غالبًا ما تقدّم رافعة مالية تصل إلى 50 ضعفًا أو حتى 100 ضعف، وهو ما يشكّل وصفة للتصفية السريعة وفقدان الثقة بين المستثمرين. ومن هذا المنطلق، صُممت تجربة VARA التجريبية لتفادي تكرار هذه الأخطاء، وضمان بيئة أكثر أمانًا لمتداولي التجزئة في الإمارات العربية المتحدة.
وباعتمادها سقفًا للرافعة المالية عند 5 أضعاف، واشتراط فحوصات تعليمية، ومراقبة سلوك التداول بشكل فوري، تهدف VARA من خلال هذا المشروع التجريبي إلى جمع رؤى مهمة حول كيفية تعامل متداولي التجزئة مع المشتقات، وهل سيستخدمونها للتحوط أم للمضاربة فقط، وما هو مستوى تثقيف المستثمرين اللازم لمنع إساءة الاستخدام.
وفي النهاية، ستسهم نتائج هذا البرنامج التجريبي في صياغة نموذج تنظيمي طويل الأجل، يسمح بالابتكار في سوق المشتقات الرقمية مع الحفاظ على استدامة مشاركة متداولي التجزئة، ما يعكس التوازن بين الفرصة والمسؤولية.
الفجوة التعليمية
في الواقع، لا يزال معظم المتداولين الأفراد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل وفي العالم، ينظرون إلى العملات الرقمية من منظور التداول الفوري. ومع ذلك، تتطلب المشتقات المالية عقلية مختلفة تمامًا، إذ تستلزم فهمًا متعمقًا لآليات الهامش، ومعدلات التمويل، ومحفزات التصفية، إلى جانب إتقان أدوات إدارة المخاطر. هذا الفارق في النهج يوضح أن التعامل مع المشتقات المالية ليس مجرد امتداد لتداول العملات الرقمية، بل هو مجال يحتاج إلى استراتيجيات دقيقة وتحليل مستمر للأسواق.
مثال عملي على تداول بيتكوين بالهامش (سعر اليوم: 121,000 دولار أميركي):
افترض أن متداولًا وضع هامشًا قدره 1,000 دولار أميركي مع رافعة مالية تصل إلى خمسة أضعاف. هذا يمنحه تعرضًا بقيمة 5,000 دولار أميركي لبيتكوين، أي ما يعادل حوالي 0.0413 بيتكوين بسعر السوق الحالي.
سيناريو ارتفاع السعر:
إذا ارتفع سعر بيتكوين بنسبة 10٪، من 121,000 دولار أميركي إلى حوالي 133,100 دولار أميركي، ترتفع قيمة 0.0413 بيتكوين من 5,000 دولار أميركي إلى 5,500 دولار أميركي. وبذلك يكون ربح المتداول 500 دولار أميركي، أي +50٪ على هامشه الأصلي البالغ 1,000 دولار أميركي.
سيناريو انخفاض السعر:
في المقابل، إذا انخفض سعر بيتكوين بنسبة 10٪، من 121,000 دولار أميركي إلى حوالي 108,900 دولار أميركي، تنخفض قيمة 0.0413 بيتكوين من 5,000 دولار أميركي إلى 4,500 دولار أميركي. أي أن الخسارة تبلغ 500 دولار أميركي، أو -50٪ من هامش المتداول.
مخاطر التصفية:
عند انخفاض السعر بنسبة تقريبية تبلغ 18٪، أي وصوله إلى حوالي 99,200 دولار أميركي، يُستنزف هامش المتداول البالغ 1,000 دولار تقريبًا. في هذه الحالة، تقوم البورصات بإغلاق المركز تلقائيًا قبل أن يصبح الحساب سلبيًا، وهو ما يُعرف بالتصفية القسرية.
يُظهر هذا المثال بوضوح أهمية التثقيف المالي، إذ يمكن للرافعة المالية أن تُحوّل حركة سعرية بنسبة 10٪ فقط إلى ربح أو خسارة بنسبة 50٪. ومع أي انخفاض أكبر قليلًا، قد يُصفّى المركز بالكامل.
بدون فهم كافٍ للمخاطر، يمكن أن تصبح المشتقات المالية فخًا للمضاربة. فالرافعة المالية قد تُغري المتداولين بفرص كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تضخم الخسائر بسرعة كبيرة. لذلك، التحدي الأساسي لا يكمن في طبيعة المنتجات نفسها، بل في فجوة المعرفة لدى المتداولين.
التعليم والتوعية: رفاد محاسنة يتحدث عن بناء سوق أكثر أمانًا
يبرز هنا دور OKX، البورصة العالمية الموثوقة، التي اختارت أن تتجاوز مجرد التركيز على دخول السوق، لتضع التعليم والتوعية في صلب استراتيجيتها ضمن الطرح التجريبي.
وفي هذا الصدد، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة OKX في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رفاد محاسنة، قائلاً: “يُعد التعليم والتوعية أمرًا بالغ الأهمية للنمو السليم لقطاع العملات الرقمية، فهما يساعدان على تبديد المفاهيم الخاطئة والحد من الوصمة التي لطالما أحاطت بالأصول الرقمية. التزامنا بسلامة وأمن عملائنا مطلق، والتعليم له دور حيوي في تعزيز ذلك. عندما يفهم المستخدمون كيفية التنقل عبر المنصات، والتفاعل مع التطبيقات، والتداول بمسؤولية، تصبح المنظومة بأكملها أكثر شفافية وأمانًا وسهولة في الوصول”.
عمليًا، تعني هذه الاستراتيجية أن OKX تُلزم المستخدمين بإكمال البرامج التعليمية، وفهم كيفية استخدام المنصة، وتقييم المخاطر قبل فتح الصفقات. كما تهدف الموارد التعليمية متعددة اللغات، بما في ذلك اللغة العربية، إلى ضمان الشمولية. ويركز المحتوى التعليمي على التداول المسؤول بدلاً من الانخراط في المضاربات عالية المخاطر، مما يعزز بيئة أكثر أمانًا للمستثمرين الجدد والخبراء على حد سواء.
تجربة الإمارات الرائدة على المستوى العالمي
لا تقتصر تجربة الإمارات العربية المتحدة في مجال المشتقات المالية بالتجزئة على السعي وراء أحجام التداول فحسب، بل تمثل اختبارًا لقدرة التنظيم والتثقيف على خلق بيئة أكثر أمانًا واستدامة لمتداولي التجزئة. إذ تسعى الدولة من خلال هذه التجربة إلى موازنة الابتكار المالي مع حماية المستثمرين، بما يضمن نمو السوق بشكل مسؤول.
في حال نجاح هذه المبادرة، قد تصبح نموذجًا عالميًا يحتذى به، ودليلًا على أنه مع توفر الضمانات المناسبة، يمكن لمتداولي التجزئة الوصول إلى أدوات مالية متطورة دون تكرار إخفاقات الأسواق غير المنظمة. هذا يوضح أن الهدف لا يقتصر على إطلاق منتج جديد، بل على بناء ثقافة تداول قائمة على المعرفة والوعي بالمخاطر.
ولن يكون المقياس الحقيقي للنجاح هو عدد العقود المتداولة فحسب، بل ما إذا كان المستخدمون سيخرجون من التجربة أكثر وعيًا وحذرًا، وأكثر ثقةً في المشاركة بمسؤولية. وتُعدّ المشتقات المالية في الإمارات العربية المتحدة، بهذا المعنى، تجربة عملية في دمج الابتكار المالي مع المساءلة، حيث تُشير VARA وOKX إلى أن الدولة تعتزم رسم مسار مختلف، يقوم على تعزيز مشاركة متداولي التجزئة على أساس المعرفة، وليس على المبالغة أو المضاربة العشوائية.