جمود تشريعي يعرقل تنظيم العملات المستقرة في كوريا الجنوبية

تشهد المناقشات التشريعية المتعلقة بالعملات المستقرة في كوريا الجنوبية حالة من الجمود، الأمر الذي أثار قلق خبراء التكنولوجيا المالية والإعلام والمتابعين لهذا القطاع الحيوي.
فقد أفادت صحيفة “بوسان إلبو” الكورية الجنوبية أن جميع مشاريع القوانين الأربعة الخاصة بالعملات المستقرة، التي قُدّمت إلى الجمعية الوطنية خلال الأشهر الأخيرة، ما زالت عالقة في مرحلة اللجان دون إحراز تقدم ملموس.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التأخير يعود بالدرجة الأولى إلى غياب التوافق بين الجهات التنظيمية والمشرعين بشأن بنود محورية. وأضافت: “توقفت المناقشات حول إضفاء الطابع المؤسسي على العملات المستقرة نتيجةً للخلافات المستمرة بين الجمعية الوطنية والحكومة وبنك كوريا”.
ويتركز الخلاف الأساسي حول ما إذا كان ينبغي السماح لشركات التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا المعلومات بإصدار هذه العملات، أم حصر هذه الصلاحية في البنوك التجارية المحلية، كما تطالب بذلك الأصوات الأكثر تحفظًا في الحكومة وبنك كوريا.
هذا وتُعد هذه المسألة شديدة الحساسية نظرًا لهيمنة التكتلات الاقتصادية الكبرى المعروفة باسم تشايبول على الاقتصاد الكوري، حيث تمتلك هذه الشركات نفوذًا واسعًا في قطاعي التمويل والتكنولوجيا. وفي السنوات الأخيرة، انضمت شركات الإنترنت العملاقة مثل نافر وكاكاو إلى هذا المجال، ما عزز المخاوف من احتمال ظهور “عملات خاصة” تسيطر عليها شركات التكنولوجيا الكبرى.
تاريخيًا، لعبت “تشايبول” دورًا سياسيًا وماليًا مؤثرًا، وهو ما يدفع بنك كوريا إلى الحذر الشديد من فقدان جزء من سلطته إذا ما تخلى عن احتكاره لإصدار العملات. وفي المقابل، يتمتع البنك بسلطات تنظيمية واسعة على القطاع المصرفي التجاري، ما يجعله متمسكًا بموقفه الرافض لمنح هذه الصلاحية للشركات غير المصرفية.
أما على صعيد مشاريع القوانين المطروحة، فإن جميعها تتضمن متطلبات مختلفة لمصدري العملات المستقرة. فالمشروع الأكثر تقدمية يقترح السماح للشركات التي تمتلك حدًا أدنى من رأس مال الأسهم يبلغ 500 مليون وون (حوالي 360,026 دولارًا أميركيًا) بدخول السوق، في حين ينص المشروع الأكثر تحفظًا على ضرورة امتلاك 5 مليارات وون (3.6 مليون دولار أميركي) على الأقل كرأسمال. هذا التباين يعكس محاولة التوفيق بين فتح المجال للشركات الناشئة وفرض قيود تضمن الاستقرار المالي.
وأضافت صحيفة “بوسان إلبو” أن عملية مراجعة هذه المشاريع منقسمة بين لجنتين في الجمعية الوطنية، هما لجنة الشؤون السياسية ولجنة الاستراتيجية والمالية، الأمر الذي “يُعيق التقدم”. وعلّق مسؤول في شركة كورية جنوبية متخصصة في تقنية البلوكتشين لموقع Cryptonews.com، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: “هذا التأخير مُحبط للغاية. على الحكومة أن تحسم أمرها بسرعة، فمنافسونا في الدول الأخرى لا يعيشون مثل هذا الغموض”.
وفي المقابل، يشير النقاد في كوريا الجنوبية إلى التطورات المتسارعة في دول أخرى مثل ألمانيا والصين واليابان، إلى جانب الولايات المتحدة. فبحسب التقارير، من المقرر أن توافق وكالة الخدمات المالية اليابانية قريبًا على طلب شركة JYPC لإصدار أول عملة مستقرة مرتبطة بالين. ويرى الخبراء في سيول أن برلين وطوكيو وبكين جميعها تتحرك استجابةً للأحداث في واشنطن، حرصًا منها على تجنّب الانجراف “الأحادي” نحو الدولار الأميركي.
ويأتي ذلك في أعقاب توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوليو الماضي على قانون GENIUS، الذي يضع إطارًا تنظيميًا لمصدري العملات المستقرة المحتملين. كما عقد رئيس شركة سيركل، المصدرة لعملة USD Coin، اجتماعًا مع محافظ بنك كوريا المركزي ري تشانغ يونغ الأسبوع الماضي لمناقشة مستقبل هذه العملات، إضافةً إلى اجتماعه مع كبار المصرفيين في كوريا الجنوبية، مثل كوكمين، وووري، وشينهان، لمزيد من التنسيق حول توجهات السوق.