تدفّق خارجي ضخم من صندوق إيثيريوم التابع لـ “بلاك روك” يثير مخاوف الأسواق الرقمية

في تطور مفاجئ، شهد صندوق تداول إيثيريوم الفوري، التابع لشركة “بلاك روك”، سحبًا هائلًا بقيمة 375 مليون دولار أميركي من قِبل المستثمرين، مُسجِّلًا بذلك أكبر تدفق خارجي له في يوم واحد منذ إطلاقه. وقد نُشر هذا التحديث في 5 أغسطس على موقع “كوينتيليغراف”، وأثار على الفور قلقًا واسعًا في أوساط العملات الرقمية، حيث بدأ الكثيرون يتساءلون عن دلالات هذا الانسحاب الضخم، وما إذا كان يُنذر بتراجع في ثقة المستثمرين في مستقبل إيثيريوم.
ورغم عدم وجود سبب واحد واضح لهذا الخروج الكبير من الصندوق، إلا أن هناك مجموعة من العوامل المتداخلة التي يُرجَّح أنها لعبت دورًا رئيسيًا في ذلك.
أولًا، الارتباك التنظيمي لا يزال يُخيِّم على المشهد، إذ تُواصل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية إرسال إشارات متضاربة بشأن الوضع القانوني لإيثيريوم. هذا الغموض التنظيمي يُشعر بعض المستثمرين بعدم اليقين، ويدفعهم إلى تجنّب المجازفة في بيئة تفتقر إلى الوضوح القانوني.
ثانيًا، تقلبات الأسعار الحادة التي شهدها إيثريوم مؤخرًا تُمثّل عاملًا مهمًا آخر. فقد شهد الأصل الرقمي صعودًا وهبوطًا كبيرين، ما دفع بعض المستثمرين إلى اتخاذ قرار بجني الأرباح في الوقت المناسب، بينما اختار آخرون الخروج لتفادي الخسائر في حال استمرت التراجعات.
أما ثالث العوامل، فهو الضغوط المالية العالمية، إذ إن المناخ الاقتصادي الأوسع لا يساعد كثيرًا. مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بدأت الأصول التقليدية مثل السندات الحكومية تبدو أكثر جاذبية، ما يُشجع على تحويل السيولة من الاستثمارات ذات المخاطر العالية، مثل العملات الرقمية، نحو بدائل أكثر استقرارًا.
وفي السياق عينه، لا يمكن تجاهل عامل الإرهاق الناتج عن التحديثات التقنية المتلاحقة. فقد شهدت شبكة إيثيريوم تغييرات جذرية، أبرزها الانتقال إلى آلية إثبات الحصة، بالإضافة إلى تحسينات تقنية أخرى. ورغم أهمية هذه التحديثات في تعزيز كفاءة الشبكة، إلا أن بعض المستثمرين، خصوصًا من أصحاب الرؤية التقليدية، ما زالوا غير مقتنعين بقدرتها على منافسة شبكات بلوكتشين الحديثة، التي توفر حلولًا أسرع أو أقل تكلفة.
ومن منظور أوسع، لا تعكس هذه التدفقات الخارجة الكبيرة مجرد تحولات مؤقتة، بل قد تُسهم في تشكيل التوجهات السوقية نفسها. فكثير من مستثمري التجزئة يتابعون تحركات المؤسسات باعتبارها مؤشرات على الاتجاه العام. وبالتالي، فإن خروج رؤوس الأموال بهذا الحجم قد يُثير حالة من الحذر أو التردد لدى المستثمرين الجدد أو من يفتقرون إلى الثقة الكاملة بسوق الأصول الرقمية.
علاوة على ذلك، فإن عمليات البيع المكثفة من هذا النوع قد تُزعزع استقرار صناديق التداول الفورية على المدى القصير، حيث تؤثر بشكل مباشر في صافي قيمة الأصول (NAV)، كما تمتد تداعياتها إلى السوق الفوري للإيثيريوم نفسه. ورغم أن ذلك لا يعني بالضرورة أن العملة متجهة نحو الانهيار، فإنه يشير إلى ضرورة إعادة تقييم التوقعات المرتبطة بالتبني المؤسسي.
هذا ولم تُصدر بلاك روك بيانًا رسميًا بشأن هذه التدفقات الخارجة. وقد أشار بعض محللي القطاع إلى أن ما حدث ربما لا يتعدى كونه إعادة توازن دورية لمحفظة الاستثمار، إلا أن غياب الشفافية يدفع بالأسواق إلى ساحة التكهنات.