اليابان تدرس إعادة تصنيف العملات الرقمية كمنتجات مالية

تدرس هيئة الخدمات المالية اليابانية (FSA) تحولًا تنظيميًا مهمًا، يتمثل في تصنيف الأصول الرقمية كمنتجات مالية بموجب قانون الأدوات المالية والبورصات (FIEA)، وفقًا لتقرير نشره موقع CoinPost المحلي.
ويهدف هذا المقترح إلى نقل الأصول الرقمية من إطار قانون خدمات الدفع الحالي إلى قانون FIEA الأكثر شمولًا، مما يعكس توجهًا جديدًا نحو تشديد الرقابة وتعزيز الحماية التنظيمية. كما أعلنت الهيئة عن تشكيل فريق عمل متخصص يُعنى بإصلاحات نظام الأصول الرقمية.
يمثل هذا التصنيف المقترح تحولًا كبيرًا في منهجية التعامل مع العملات الرقمية. فمن خلال اعتبارها أدوات مالية، تسعى هيئة الخدمات المالية إلى معالجة الثغرات التنظيمية القائمة، وتعزيز الشفافية في سوق الأصول الرقمية. ومن المقرر مناقشة المقترح رسميًا خلال اجتماع المجلس العام للهيئة يوم الأربعاء، 25 يونيو.
استجابة لنمو التبني المحلي
تأتي هذه المبادرة في وقتٍ يشهد فيه السوق الياباني توسعًا ملحوظًا في استخدام العملات الرقمية. فوفقًا لبيانات هيئة الخدمات المالية، بلغ عدد الحسابات النشطة أكثر من 12 مليون حساب بحلول يناير 2025، في حين تخطّت حيازات العملات الرقمية على المنصات المحلية 5 تريليونات ين ياباني (ما يعادل نحو 34 مليار دولار أمريكي). واللافت أن تداول الأصول الرقمية بات يتفوق على أدوات استثمارية تقليدية، مثل العملات الأجنبية وسندات الشركات، خصوصًا لدى المستثمرين الأفراد ذوي الخبرة التقنية.
هذا النمو المتسارع عزز الحاجة إلى أطر تنظيمية أوضح وأكثر فاعلية. وأكدت الهيئة في هذا السياق أن “الهدف هو خلق بيئة متوازنة تحمي المستخدمين وتدعم الابتكار في الوقت نفسه”.
من خدمات الدفع إلى قانون الأوراق المالية
في الوقت الحالي، تُصنّف العملات الرقمية في اليابان ضمن قانون خدمات الدفع، الذي يُعنى بتنظيم المدفوعات الرقمية. إلا أن إعادة تصنيفها تحت مظلة FIEA سيُعرّفها رسميًا كـ”أدوات مالية”، مما يترتب عليه تغييرات كبيرة، لا سيما على مستوى الضرائب، وحماية المستثمرين، وتسهيل دخول المؤسسات المالية.
من أبرز هذه التغييرات تحويل النظام الضريبي من الضريبة التصاعدية، التي قد تصل إلى 55% على مكاسب العملات الرقمية، إلى ضريبة ثابتة بنسبة 20%، وهو ما يجعلها مشابهة للأسهم ويُعزز من جاذبيتها للمستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
الزخم المؤسسي وصناديق البيتكوين
يتناغم هذا التوجه مع الزخم العالمي المتزايد نحو المنتجات المؤسسية المرتبطة بالعملات الرقمية. فقد أشارت هيئة الخدمات المالية إلى بيانات تُظهر امتلاك أكثر من 1200 مؤسسة مالية – من بينها صناديق تقاعد أميركية وغولدمان ساكس، لصناديق بيتكوين فورية متداولة في الولايات المتحدة. وتطمح الجهات التنظيمية اليابانية إلى تكرار هذا النموذج داخليًا، وتقليل الحواجز أمام دخول رؤوس الأموال المؤسسية.
وفي هذا الإطار، تشهد المناقشات حول صناديق البيتكوين المتداولة تقدمًا لافتًا. ففي مطلع العام، التقى نائب وزير العدل البرلماني جونيتشي كاندا بالرئيس التنفيذي لشركة JAN3، سامسون مو، لمناقشة سبل تمكين هذه الصناديق وخفض الضرائب على البيتكوين.
تسارع الابتكار في مجال العملات المستقرة
بالتوازي مع هذه التطورات، يتزايد الاهتمام المحلي بـالعملات المستقرة، باعتبارها عنصرًا محوريًا في استراتيجية اليابان الرقمية. ففي مارس، حصلت شركة SBI VC Trade، التابعة لمجموعة SBI المالية العملاقة، على أول ترخيص في البلاد للتعامل بالعملات المستقرة، وتستعد لدعم عملة USDC الصادرة عن “سيركل”.
أما في أبريل، فقد وقّعت كل من مجموعة سوميتومو ميتسوي المالية (SMBC) وTIS Inc. وAva Labs وFireblocks مذكرة تفاهم لاستكشاف إمكانات تسويق عملات مستقرة مدعومة بالدولار الأمريكي والين الياباني. ويتضمن التعاون أيضًا حالات استخدام رمزية مثل تسوية الأصول الحقيقية كالعقارات والأسهم والسندات.
التأثيرات العالمية وتوجه اليابان الاستراتيجي
من اللافت أن هذه الإصلاحات التنظيمية تأثرت جزئيًا بالمواقف الاستباقية لبعض الجهات الأمريكية، مثل إدارة ترامب وعدد من الولايات، من بينها تكساس التي أصبحت أول ولاية تُنشئ احتياطي بيتكوين ممولًا من القطاع العام. ويتماشى التوجه الياباني مع هدف أوسع يتمثل في جعل اليابان “دولة موجهة نحو الاستثمار”، من خلال توسيع فرص تكوين الأصول للمواطنين، وتعزيز تبني تقنيات Web3.
كما تبحث الجهات التنظيمية تقسيم العملات الرقمية إلى فئات مختلفة وفقًا لطبيعتها، لتوفير معاملة تنظيمية مخصصة لكل نوع. وقد شملت مسودة التعديلات التي طرحتها الهيئة في أبريل استبيانات عامة حول ممارسات الأعمال، الشفافية، وسلامة السوق، بما في ذلك قواعد التداول استنادًا إلى المعلومات الداخلية.
اليابان ترسّخ مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي
في المجمل، يُجسّد التوجه الياباني لإعادة تصنيف العملات الرقمية وإصلاح البيئة التنظيمية رغبة جادة في مواكبة التحولات العالمية في مجال التمويل الرقمي. وبينما تُسارع دول كبرى إلى سن تشريعات شاملة للعملات الرقمية وإطلاق مبادرات رسمية للأصول الرقمية، تمضي اليابان في طريقها الاستراتيجي الهادئ، عبر تبنّي تشريعات واضحة، وتخفيف الأعباء الضريبية، وتطوير بيئة رقمية مرنة تربط بين التمويل التقليدي وتقنيات Web3.