مجلس الشيوخ الأميركي يعتمد أول قانون شامل للعملات المستقرة
بعد أشهر من الانطلاقات والتوقفات الدرامية، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي بنجاح قانون “GENIUS” بعد ظهر يوم الثلاثاء، وهو مشروع قانون تاريخي يُرسي رسميًا إطارًا لإصدار وتداول العملات المستقرة في الولايات المتحدة.
وقد أُقرّ المشروع بأغلبية 68 صوتًا مقابل 30، حيث انضم 18 ديمقراطيًا إلى الجمهوريين في دعم التشريع. في المقابل، صوّت بعض الجمهوريين ضده، من بينهم جوش هاولي (جمهوري عن ولاية ميزوري)، الذي انضم إلى الديمقراطيين التقدميين في مجلس الشيوخ مثل إليزابيث وارن (ديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس)، معارضين الأحكام التي تسمح لشركات التكنولوجيا الكبرى بإصدار عملاتها المستقرة وتتبع بيانات إنفاق المستخدمين بشروط معيّنة. كما عارضه أيضًا السيناتور راند بول (جمهوري عن ولاية كنتاكي).
في هذا السياق، أبدت مؤخرًا كبرى البنوك الأميركية، وشركات وول ستريت، وتجار التجزئة مثل وول مارت، بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون، اهتمامًا متزايدًا بتطوير عملاتها المستقرة الخاصة. ويعود هذا الاهتمام إلى دوافع مختلفة، أبرزها تحصيل عوائد على ودائع العملاء وتجنّب الرسوم المرتفعة لمعالجة المدفوعات التقليدية. ومن المتوقع أن يؤدي إقرار هذا التشريع إلى فتح أبواب وول ستريت والقطاع المصرفي الأميركي على مصراعيها، مما قد يُدخل تريليونات الدولارات إلى سوق العملات الرقمية.
وفي معرض تعليقه على التصويت، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت: “إن ازدهار منظومة العملات المستقرة سيعزز الطلب من القطاع الخاص على سندات الخزانة الأميركية، التي تشكّل أساس دعم العملات المستقرة”. وأضاف: “هذا الطلب الجديد قد يساهم في خفض تكاليف الاقتراض الحكومي، ويساعد في كبح الدين الوطني، فضلًا عن جذب ملايين المستخدمين حول العالم إلى اقتصاد رقمي قائم على الدولار”.
من جهتها، رحب قطاع العملات الرقمية بتصويت مجلس الشيوخ، واعتبرته انتصارًا تاريخيًا للقطاع. وفي هذا الصدد، صرحت ليات شيتريت، نائبة رئيس السياسات العالمية والتنظيم في شركة “Elliptic” المتخصصة في استخبارات البلوكتشين، في بيان مشترك مع موقع Decrypt: “إن موافقة الولايات المتحدة على أول تشريع فيدرالي رئيسي يركّز على العملات المستقرة تُعدّ نقطة تحول محورية في مستقبل الأصول الرقمية، وتمثل تقدمًا ملموسًا في تنظيم هذا القطاع المتسارع النمو”.
كما علّقت أماندا تومينيلي، المديرة التنفيذية لصندوق تعليم التمويل اللامركزي، بقولها: “هذا إنجاز للولايات المتحدة وللابتكار على حد سواء، وخطوة هائلة نحو وضع إطار تنظيمي مناسب للأصول الرقمية في البلاد”.
ورغم تمرير القانون في مجلس الشيوخ، إلا أن قانون GENIUS لا يزال بحاجة إلى تصويت في مجلس النواب قبل إحالته إلى مكتب الرئيس دونالد ترامب لتوقيعه. ومع ذلك، يبدو أن هذا التصويت لن يكون وشيكًا.
ففي حين يصرّ قادة مجلس الشيوخ الجمهوريين على ضرورة تمرير القانون في أقرب وقت، ويفضّلون حدوث ذلك قبل الرابع من يوليو، فإن الجمهوريين في مجلس النواب لديهم مشروع قانون بديل للعملات المستقرة. وربما يسعون إلى دمجه مع مشروع قانون آخر يعنى بهيكلة سوق العملات الرقمية، وهو مشروع يعاني من عقبات لكنه يتمتّع بتأثير أوسع. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى رفع فرص تمرير تشريع موحّد في كلا المجلسين.
بالتالي، من المرجح أن تشهد الأسابيع المقبلة صراعًا تشريعيًا بين الجمهوريين في مجلسَي الشيوخ والنواب، لكل منهما أجندته وأولوياته بشأن مشاريع القوانين المرتبطة بالعملات الرقمية، سواء من حيث مضمونها أو توقيت إقرارها، بحسب ما أفاد به عدد من قادة سياسات العملات الرقمية لموقع Decrypt.
أما موقف البيت الأبيض، فلم يكن واضحًا تمامًا. فحين سُئل المتحدث باسمه من قبل موقع Decrypt عمّا إذا كان الرئيس سيوقّع قانون GENIUS كمشروع قانون مستقل، أو إذا كان سينتظر تمرير قانونَي هيكلة سوق العملات الرقمية والمستقرة معًا، لم يجب بشكل مباشر، بل وجّه الموقع إلى تصريح أدلى به بو هاينز، المدير التنفيذي لمجلس مستشاري الرئيس للأصول الرقمية. وفي التصريح ذاته، أعرب هاينز عن دعمه الكامل لقانون GENIUS، مشددًا على أهمية إقراره.
وفي هذا السياق، قالت السيناتور سينثيا لوميس (جمهورية عن ولاية وايومنغ) خلال جلسة في مجلس الشيوخ: “ما أُنجز اليوم ليس سوى الخطوة الأولى. ينبغي على الكونغرس إقرار تشريع شامل يُنظم هيكل السوق خلال الأشهر المقبلة”. وأضافت أنها تأمل أن يتم تمرير هذا التشريع بحلول نهاية عام 2025.
تجدر الإشارة إلى أن إقرار قانون GENIUS في مجلس الشيوخ لم يكن أمرًا محسومًا حتى وقت قريب. ففي الشهر الماضي فقط، فشل القانون في اجتياز تصويت إجرائي مهم، وذلك بعد تراجع بعض الديمقراطيين المؤيدين للعملات الرقمية عن دعمه.
ويُعزى هذا التحوّل إلى عوامل عدّة، أبرزها تصريحات الرئيس المتكررة حول العملات الرقمية والمستقرة، إلى جانب تورط شركات أصول رقمية مملوكة لعائلته. وهو ما أثار حفيظة الديمقراطيين الذين رأوا في ذلك تضاربًا واضحًا في المصالح داخل البيت الأبيض.
