فرنسا تناقش دور تعدين البيتكوين في تعزيز استقرار وكفاءة نظام الطاقة
يحثّ المشرّعون الفرنسيون على إجراء تقييم رسمي لتعدين البيتكوين كأداة استراتيجية لدعم الجهود الوطنية في إدارة الطاقة. ويأتي هذا في إطار مقترح تشريعي قُدّم في باريس يهدف إلى دراسة حكومية شاملة لتأثير هذه الصناعة على أنظمة الكهرباء والسيادة الطاقوية. ويُعدّ هذا المشروع مؤشراً على تحوّل سياسي محتمل، في ظلّ التردد الذي ما زالت تبديه فرنسا تجاه دور الأنشطة المرتبطة بالعملات الرقمية.
في هذا السياق، قدّم أعضاء في الجمعية الوطنية الفرنسية تعديلاً جديدًا يقضي بتقييم كيفية مساهمة تعدين البيتكوين في دعم شبكة الكهرباء الفرنسية. ويُعتبر هذا التعديل جزءًا من قانون أشمل يتعلق بالتخطيط الوطني للطاقة وتبسيط اللوائح التنظيمية، والذي يخضع حاليًا للنقاش في البرلمان. ويسعى المشرّعون من خلاله إلى الحصول على تقرير حكومي مفصل يُظهر مدى قدرة هذه التكنولوجيا على تعزيز استقرار وكفاءة الشبكة الكهربائية.
ويرى المشرّعون أن لتعدين البيتكوين إمكانيات تقنية يمكن أن تُكمل البنية التحتية للطاقة في فرنسا، لاسيما في ظل الاعتماد الكبير على الطاقة النووية، التي كثيرًا ما تُنتج فوائض كهربائية. وبفضل قدرة آلات التعدين على التشغيل السريع، فإنها تُمكّن من امتصاص هذا الفائض دون التأثير على استمرارية الإمدادات. وهو ما يمنح هذا القطاع قيمة تشغيلية إضافية، تتماشى مع نموذج الطاقة الفرنسي القائم.
وتُعد فرنسا من الدول الرائدة أوروبيًا في إنتاج وتصدير الكهرباء، حيث تعتمد بشكل أساسي على الطاقة النووية. إلا أنها لا تزال تواجه تحديات في إدارة فائض الإنتاج وتخفيف الضغط عن شبكات الطاقة القديمة. ويعتقد واضعو التعديل أن توظيف تعدين البيتكوين في هذا السياق قد يساعد على موازنة العرض والطلب من خلال استغلال الطاقة الفائضة بطريقة ذكية.
علاوة على ذلك، يشير المؤيدون إلى أن إنشاء مرافق تعدين بالقرب من محطات إنتاج الكهرباء يمكن أن يُنعش المناطق الصناعية المهجورة ويُعزز الاقتصادات المحلية. ومع وجود رقابة تنظيمية مناسبة، يُمكن لهذا القطاع أن يُساهم في تعزيز استقلال فرنسا الطاقوي، مع الحفاظ على توافقه مع أهداف الابتكار والتكنولوجيا النظيفة. كما يُمكن أن يُسهم التعدين في الحد من ظاهرة التسعير السلبي في أسواق الكهرباء بالجملة.
وقد تعاونت جمعية تطوير الأصول الرقمية (ADAN) مع المشرّعين في إعداد هذا التعديل، وهي من أبرز الداعين إلى ضرورة وضع إطار تنظيمي واضح للأصول الرقمية والضرائب المترتبة عليها، بما في ذلك التعدين. ويُظهر هذا التعاون اتساع دائرة الاهتمام، سواء على الصعيد الصناعي أو السياسي، بدور تعدين البيتكوين في تعزيز استراتيجية الطاقة الوطنية.
ورغم أن التعديل لا يُشرّع تعدين البيتكوين بشكل مباشر، إلا أنه يُمثّل بداية نقاش وطني واسع حول جدوى هذا النشاط. ويهدف التقييم المقترح إلى تغذية السياسات المستقبلية بأفكار مدروسة توازن بين الابتكار التكنولوجي والاستخدام المستدام للطاقة. ويُشدد المشرّعون على أن الخصائص التقنية للتعدين، مثل القابلية للتوسع والعمل حسب الطلب، تجعله ملائمًا بامتياز للاندماج في البنية الطاقوية الحديثة.
وسيُقدَّم التقرير المنتظر إلى البرلمان الفرنسي لتحليل الأبعاد البيئية والاقتصادية واللوجستية لدعم تعدين البيتكوين. ومن المتوقع أن يُشكل هذا التقرير مرجعًا مؤثرًا في قرارات الابتكار، ومرونة الطاقة، وتحديث الصناعة. كما قد يُحدّد ما إذا كانت فرنسا ستتخذ نهجًا استباقيًا في هذا المجال أو ستُبقي نفسها في موقع المراقبة.
ختامًا، يبقى تعدين البيتكوين مسألة جدلية على مستوى العالم، بين دول اختارت حظره وأخرى احتضنته ضمن منظومتها الطاقوية. ويبدو أن فرنسا، من خلال هذه المبادرة التشريعية، تستعد لرسم مسارها الخاص، مع فتح الباب أمام إمكانيات جديدة تدمج بين الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة.
