تنظيم الأصول الرقمية في الإمارات: معيار عالمي جديد؟

عُقدت جلسة نقاش مغلقة في دبي بتاريخ 29 أبريل، قبيل انطلاق فعالية “أفضل 20 رئيسًا تنفيذيًا أداءً”، وتركزت محاورها حول موضوع رئيسي أثار اهتمام الحاضرين. وقد جمع اللقاء، الذي أُقيم وفقًا لقواعد تشاتام هاوس، نخبة من المشاركين من مختلف القطاعات، شملت القطاع المصرفي، ومصدري العملات المستقرة، وشركات الممثلات الرقمية، والخبراء القانونيين، ومنصات تداول العملات الرقمية المرخصة. وبينما غطّت المناقشات مجموعة من المواضيع، من الأطر التنظيمية إلى العملات المستقرة، وممثلات الأصول في العالم الحقيقي، وتمويل التجارة، برز سؤال رئيسي: مع تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالأصول الرقمية بدعم سياسي متجدد من الحزبين، هل الإمارات العربية المتحدة مستعدة لترسيخ مكانتها كمركز عالمي؟ أم ستواجه منافسة أشد؟
اتفق العديد من المشاركين على أن الوضوح التنظيمي في الإمارات العربية المتحدة لا يزال أحد أهم نقاط قوتها. وقد أُشيد مرارًا وتكرارًا بجهات قضائية مثل VARA في دبي وADGM في أبوظبي لتوفيرها هيكلًا وأطر ترخيص وانفتاحًا استقطبت موجة من شركات الأصول الرقمية خلال العامين الماضيين. وأكد العديد من الحاضرين أن الإمارات العربية المتحدة تقدم ما لا تستطيع الولايات المتحدة تقديمه: استمرارية تنظيمية ورؤية طويلة الأمد.
ومع تقديم الولايات المتحدة الآن دعمًا ثنائي الحزب لقوانين العملات الرقمية، ورؤية تحسن في معنويات الجهات الفاعلة المؤسسية، أشار بعض الحاضرين في المائدة المستديرة إلى أن الشركات التي كانت تخطط في الأصل للانتقال من الولايات المتحدة إلى الإمارات العربية المتحدة قد توقفت مؤقتًا، في انتظار رؤية كيف ستسير الأمور بعد الانتخابات.
على الرغم من ذلك، لم يعتبر معظمهم انتعاش الولايات المتحدة تهديدًا مباشرًا. ووصف أحد المشاركين الإمارات العربية المتحدة بأنها “عاصمة بقية العالم فعليًا”، وربط تعليقه بالنقاش السابق الذي مفاده أنه على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة قد تكون سوقًا صغيرة من حيث عدد السكان، إلا أن طموحها وبنيتها التحتية تهدف بوضوح إلى خدمة جمهور إقليمي ودولي. وأشار المشاركون إلى الموقع الاستراتيجي للدولة، واتصالها بآسيا وأفريقيا وأوروبا، وبيئتها المواتية للأعمال.
بينما أثار البعض مخاوف بشأن صغر حجم السوق المحلية للإمارات العربية المتحدة نسبيًا، حوالي 8 ملايين نسمة، إلا أن النقاش تحول بسرعة. اتفق المشاركون على أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تكن تهدف قط إلى تلبية احتياجات سكانها المحليين فحسب، بل صُممت أطرها التنظيمية وبنيتها التحتية للأصول الرقمية لخدمة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، مما يضع الدولة في موقع مركزي للتوسع العالمي.
VARA كمعيار للتنظيم المعقد
مع ترحيب دولة الإمارات العربية المتحدة بمزيد من مزودي خدمات الأصول الافتراضية (VASPs)، طُرحت تساؤلات حول ما إذا كانت الشركات التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها ستحتاج في نهاية المطاف إلى دخول الأسواق الأميركية لتوسيع نطاق أعمالها. ومن الأمثلة التي تم الإشارة إليها شركة تعدين مدرجة في بورصة الإمارات العربية المتحدة تدرس إدراجًا مزدوجًا في الولايات المتحدة نظرًا لزيادة الطلب المؤسسي وظهور القطاع في وول ستريت. ومع ذلك، جادل المشاركون بأن الكيانات العاملة بموجب ترخيص VARA يجب اعتبارها في وضع جيد يسمح لها بالتعامل مع الولايات القضائية المعقدة عالميًا، مما يشير إلى أن VARA يمكن أن تكون بمثابة معيار تنظيمي.
وفي هذا الصدد، أشار بعض المتخصصين إلى أن عملية ترخيص VARA، التي تتطلب وضوحًا في نماذج الأعمال، وهياكل الامتثال، وإصدار الممثلات الرقمية، صارمة بالفعل. وإذا تم الاعتراف بهذا المعيار عالميًا، فقد يساعد في تسريع دخول مزودي خدمات الأصول الافتراضية في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أسواق جديدة، خاصة إذا تم استكشاف جوازات السفر التنظيمية أو اتفاقيات الاعتراف المتبادل.









العملات المستقرة: التجربة هي الأساس
هيمن موضوع العملات المستقرة على الجزء الأكبر من النقاشات، لا سيما في ظل اقتراب إطلاق عدد من العملات المستقرة الخاضعة لإشراف دولة الإمارات العربية المتحدة، من بينها العملة المرخصة حديثًا AEcoin. ناقش المشاركون معايير النجاح لهذه العملات، مشددين على أن الاستقرار التقني والامتثال التنظيمي يمثلان عناصر أساسية، إلا أن تجربة المستخدم النهائي تبقى العامل الحاسم في تحديد مصير هذه العملات.
ولم تقتصر تجربة المستخدم، وفق ما طُرح، على سلاسة المدفوعات فقط، بل شملت حالات استخدام متعددة، أبرزها تسوية مدفوعات الموردين عبر الحدود، دفع الرواتب، تمويل عمليات التجارة، وتمكين معاملات التجار. وأوضح الحضور أن هذه التطبيقات تصبح ممكنة من خلال شراكات بيئية متكاملة تشمل البنوك، ومنصات التكنولوجيا المالية، ومزودي خدمات نقاط البيع، ما يتيح تجربة سلسة وسهلة الوصول على مستوى الأفراد والشركات. وتطرّق أحد المصرفيين إلى استراتيجية طرح من ثلاث مراحل تبدأ بمسارات التحويل وتسوية المدفوعات للتجار، تليها دمج الرواتب، وأخيرًا تمكين التمويل التجاري عبر أدوات رقمية قائمة على التوكنات.
وتبيّن أن تبني العملات المستقرة مرهون بعقد شراكات استراتيجية تضمن سهولة الاستخدام في قطاعي التجزئة والأعمال على حد سواء. وأجمع عدد من المشاركين على أن أكثر المشاريع نجاحًا ستكون تلك المصممة وفقًا لاحتياجات المستخدم، والمدعومة بتعاون فعّال يعزز الاستخدام اليومي للعملة.
وعند مناقشة العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، أبدى الحضور حماسًا محدودًا، إذ رأى معظمهم أن هذه العملات لا تقدم في الوقت الراهن مزايا كبيرة، خاصة عند مقارنتها بالمرونة والسرعة التي توفرها النماذج القائمة على الشراكات في العملات المستقرة الصادرة عن جهات خاصة.
كما أشار عدد من المشاركين إلى إصدار مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي للائحة ممثلات الدفع الرقمية، واعتبروها خطوة متقدمة ومهمة. توفر هذه اللائحة إطارًا منظمًا للعملات المستقرة المدعومة بالدرهم الإماراتي، وتمنح تراخيص لجهات الإصدار، مثل AEcoin، ما يعكس التزام الدولة بإدماج التمويل الرقمي داخل النظام المصرفي الرسمي، وليس خارجه.
تمثيل الأصول الحقيقية رقميًا: زخم رغم النكسات
ناقشت الجلسة أيضًا موضوع تمثيل الأصول الحقيقية رقمياً، خصوصًا في قطاعي العقارات والسلع. وبينما لا يزال التفاؤل قائمًا، أشار أحد المشاركين إلى الانهيار الأخير لممثل OM الرقمي التابع لمشروع Mantra، والذي حظي باهتمام كبير في هذا المجال. وسارع آخرون إلى التوضيح بأن تقلبات أداء ممثل OM لا ينبغي أن تُفسر على أنها مؤشر على إخفاق جهود التمثيل الرقمي بشكل عام، خاصة في ظل استمرار تطور الأطر التنظيمية في كل من دبي (من خلال VARA) وأبوظبي (من خلال ADGM).
وأكد المشاركون أن توسيع نطاق تطبيق التمثيل الرقمي يتطلب تنسيقًا أكبر بين الجهات التنظيمية المعنية، مثل هيئة الأوراق المالية والسلع، ومصرف الإمارات المركزي، وسلطة تنظيم الأصول الافتراضية VARA، وسوق أبوظبي العالمي. ولفت أحد المحامين إلى أن السلطات التنظيمية باتت تتمتع بتفويضات أوضح، حيث تتولى SCA مسؤولية السلع، ويختص مصرف الإمارات المركزي بالمدفوعات، وتتولى VARA تنظيم الأصول الافتراضية، إلا أن غياب التنسيق الكامل بين هذه الجهات لا يزال يُشكل عائقًا أمام مقدمي الخدمات الذين يعملون عبر مجالات متعددة.
رغم ذلك، أكدت عدة شركات مشاركة أنها تواصل العمل على مشاريع تجريبية لتنظيم رموز تمثل أصولًا مثل الذهب، والماس، والعقارات قيد التطوير.
التمويل التجاري: حالة استخدام لتقنية البلوكتشين مع طلب حقيقي
تطرقت النقاشات أيضًا إلى التمويل التجاري كواحد من أبرز حالات الاستخدام لتقنية البلوكتشين. وأشار المشاركون إلى أن العوائق الجمركية، والتأخيرات، وتغيرات مسارات الشحن، خصوصًا في الممرات التجارية بين آسيا والولايات المتحدة، أدت إلى تعقيد العمليات التجارية التقليدية. وتمت الإشارة إلى أن تمثيل المستندات والفواتير التجارية رقمياً يمكن أن يعزز السيولة، خاصة بالنسبة للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي غالبًا ما تجد صعوبة في الحصول على التمويل التقليدي.
كما طُرحت حلول تجمع بين رقمنة المستندات وتوظيف تجمعات السيولة في التمويل اللامركزي (DeFi)، مع أمثلة على استخدام سندات الشحن الممثلة رقمياً كضمان للحصول على تمويل قصير الأجل. إلا أن التحديات المتعلقة بالتوافق التنظيمي العالمي ما زالت قائمة، فبينما أحرزت دول مثل الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة والبحرين تقدمًا في هذا المجال، لا تزال العديد من الولايات القضائية تفتقر إلى البنية التحتية أو إلى وضوح تشريعي كافٍ.
التطلع إلى المستقبل
رغم تزايد الدعم الرسمي للعملات الرقمية في الولايات المتحدة، لم يرَ المشاركون في الجلسة أن هذا سيؤدي إلى تحول جذري في الزخم الذي تتمتع به الإمارات. فقد حافظت الدولة على ريادتها بفضل رؤيتها الاستباقية ونهجها السياسي المنسق.
غير أن المرحلة المقبلة تتطلب تركيزًا على التنسيق، سواءً على مستوى توحيد الأطر التنظيمية بين دول مجلس التعاون الخليجي، أو على صعيد مواءمة القوانين الخاصة بالممثلات الرقمية بين الجهات المالية المختلفة. فالتقدم لن يعتمد فقط على وضوح القوانين، بل على مدى اتساقها وتناغمها أيضًا.
وكما عبّر أحد المشاركين: “لقد كسبنا سباق التنظيم. والآن علينا أن نكسب سباق التوحيد”.