التحول الرقمي في القضاء الإماراتي: دمج الذكاء الإصطناعي والبلوكتشين والميتافيرس

أعلنت النيابة العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة عن تحول رقمي جريء في عملياتها القانونية، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكتشين والتقنيات الناشئة مثل الميتافيرس، لإحداث ثورة في التعامل مع القضايا الجنائية.
وقد تم الكشف عن هذه المبادرة خلال قمة حوكمة التقنيات الناشئة في أبوظبي، وهي جزء أساسي من خارطة طريق النيابة العامة طويلة المدى 2045. تهدف الاستراتيجية إلى تقليل أوقات معالجة القضايا بنسبة تصل إلى 100%، مع تحسين الدقة والشفافية والأمن في جميع أنحاء نظام العدالة.
وفي هذا السياق، شرح المستشار “سالم الزعابي”، رئيس النيابة العامة في مكتب النائب العام لدولة الإمارات العربية المتحدة، كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في كل مرحلة من مراحل العملية القانونية، بدءًا من تصنيف الشكاوى وصولًا إلى حل القضايا. وأوضح الزعابي قائلاً: “سيُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد التناقضات في الأدلة، وتفسير التقارير الفنية، وتلخيص الملفات القانونية المعقدة”.
كما سيساهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة أعضاء النيابة العامة على تحديد أولويات بلاغات الشرطة بناءً على مدى إلحاحها وشدتها، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة. ومع ذلك، أكد الزعابي أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة دعم وليس بديلاً، مع بقاء المدعين العامين البشريين محوريين في جميع القرارات.
وفيما يتعلق بتقنية البلوكتشين، ستلعب دورًا محوريًا في تأمين الأدلة، حيث ستتتبع المواد المصادرة، وتخزن البيانات الرقمية الحساسة، وتحافظ على سلسلة الحراسة، مما يضمن بقاء الأدلة القانونية دون تغيير ومنع العبث بها. وقال الزعابي: “يجب أن نضمن عدم تمكن أي شخص من الوصول إلى هذه الأدلة أو تغييرها”.
تأتي هذه المبادرة في أعقاب الدروس المستفادة من أول قضية تتعلق بالعملات الرقمية في الإمارات العربية المتحدة، والتي كشفت عن نقاط ضعف في قدرة النظام القانوني على التعامل مع الجرائم الرقمية. أدت هذه القضية المعقدة، التي تطلبت أشهرًا من المشاورات الخارجية وتقريرًا من 100 صفحة، إلى الإدانة، لكنها سلطت الضوء أيضًا على الحاجة إلى تحسين الثقافة الرقمية لدى المدعين العامين.
ومنذ ذلك الحين، تم تقديم برامج تدريبية متخصصة لتزويد المدعين العامين بالمهارات اللازمة للتعامل مع الجرائم الناشئة التي تشمل الرموز غير القابلة للاستبدال والعملات الرقمية وغيرها من الأصول الرقمية.
وفي المستقبل، تخطط النيابة العامة لاستخدام منصات الميتافيرس والواقع الافتراضي لمحاكاة مسارح الجريمة، مما يوفر للمحاكم والمحققين فهمًا أكثر شمولًا للحوادث. كما ستُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤية لتحديد الأنماط الإجرامية، مما يُمكّن من التدخل المبكر.
ولتجنب التحيز، سيعمل المدعون العامون بشكل وثيق مع المطورين لتصميم الخوارزميات التي تُشغّل هذه الأدوات. وقال الزعابي: “سنجلس مع المطورين بأنفسنا”، مشددًا على أهمية الرقابة القانونية في تطوير التكنولوجيا.
كما تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز التعاون الدولي من خلال إطلاق منصة للتنسيق مع النيابات العامة حول العالم. وأضاف الزعابي: “الجريمة الرقمية لا تعرف حدودًا”، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عالمية موحدة ضد التهديدات السيبرانية. واختتم حديثه قائلاً: “نحن لا ننتظر المستقبل، بل نصنعه. سنُسخّر التكنولوجيا لحماية الحقوق، وتسريع الإجراءات، وتحقيق عدالة إنسانية دقيقة”.