من المضاربة إلى الاستثمار: كيف نضجت منصات العملات الرقمية؟

تستمر الحدود بين مقدمي خدمات الأصول الرقمية والمؤسسات المالية التقليدية في التلاشي، حيث يتبنى قطاع العملات الرقمية بشكل متزايد استراتيجيات مالية وتسويقية سائدة، متجاوزة التكتيكات المبكرة التي كانت تركز فقط على اكتساب المستخدمين. وتستفيد المنصات العالمية الكبرى من الحملات الاستراتيجية لتعزيز مكانتها في السوق السريعة التطور وجذب المستخدمين.

“أو كي أكس”: التركيز على الامتثال والتبني المحلي

أطلقت منصة العملات الرقمية العالمية مبادرة تركز على المستخدم، تهدف إلى تحفيز التسجيلات الجديدة، بالإضافة إلى التأكيد على الشفافية والأمان والامتثال، وهي الركائز الأساسية التي تميز الشركات المالية السائدة منذ فترة طويلة.
من خلال هذه المبادرة، تضع OKX نفسها كأكثر من مجرد منصة تداول. في الإمارات العربية المتحدة، أنشأت المنصة تجربة محلية، حيث توفر دعمًا للعملاء باللغة العربية وتسهّل الإيداع والسحب الفوري بالدرهم الإماراتي، بما يصل إلى 50,000 درهم إماراتي من البنوك المحلية. تعكس هذه الخدمات الموجهة نحو العملاء تلك التي تقدمها البنوك التقليدية، مما يعزز فكرة أن منصات العملات الرقمية تتطور لتصبح لاعبين رئيسيين في القطاع المالي.

وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة OKX MENA، “ريفاد محاسنة”: “إن تركيزنا المستمر هو كيفية تزويد الأشخاص الذين يستخدمون منصتنا بتجربة آمنة وسهلة الاستخدام، وهذا يعتمد على أساس التنظيم الجيد والامتثال.”
في وقت سابق من هذا العام، أصدرت المنصة مقطعًا دعائيًا لفيلمها القصير “Mild Mild West”، الذي استلهم من الغرب ويصوّر مسلحين يطاردون الذهب ويهددون الآخرين، وهو استعارة واضحة للماضي المتقلب للقطاع. إذ سعى الإعلان إلى الترويج للحفظ الأمين للعملات الرقمية، وتعزيز السرد القائل بأن المستخدمين يجب أن يتحكموا في أصولهم وسط عدم اليقين التنظيمي.
ومع ذلك، تشير هذه الحملة الجديدة إلى نهج أكثر تنظيماً لتبني العملات الرقمية، والتوافق مع المؤسسات المالية التقليدية بدلاً من الوقوف في معارضتها. من خلال إعطاء الأولوية لسلامة المستخدم والامتثال وسهولة الوصول، يبدو أن OKX وقطاع العملات الرقمية بشكل عام، يدخل مرحلة جديدة من النضج.

“كوين مينا”: استخدام السخرية لانتقاد التمويل التقليدي

اتخذت CoinMENA نهجًا مختلفًا في حملتها “مستقبلك، اختيارك”. باستخدام السخرية، تنتقد الحملة ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاءة البنوك، مع الترويج لعملة البيتكوين كوسيلة للتحوط ضد التضخم. يتماشى هذا مع الاتجاه الأوسع لشركات الكريبتو التي تعمل على تحسين رسائلها لجذب جمهور أوسع، سواء من خلال التأكيد على الثقة والأمان (OKX)، أو قابلية الاستخدام اليومية (Coinbase)، أو الاضطراب المالي (CoinMENA).

“كوين بيس”: تسليط الضوء على حالات استخدام الكريبتو في العالم الحقيقي

فازت “كوين بيس” في الآونة الأخيرة بمزاد “أكبر إعلان على الإطلاق” لشركة Liquid Death، حيث دفعت 500114 دولارًا أميركيًا لوضع إعلاناتها على 500000 صندوق من العلامة التجارية للمياه المعلبة. تسلط الحملة الإعلانية الجديدة للشركة الضوء على حالات استخدام العملات الرقمية في العالم الحقيقي، مثل شراء سيارة خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما تكون البنوك مغلقة، وخفض رسوم بطاقات الائتمان للشركات الصغيرة، وتسهيل المعاملات السريعة عبر الحدود. يمثل هذا تحولاً من استراتيجيات التسويق المبكرة للعملات الرقمية نحو سرديات أكثر عملية وقابلية للتواصل تؤكد على فائدة العملات الرقمية في الحياة اليومية.

التأثير السياسي المتزايد للعملات الرقمية

يتجلى تطور استراتيجيات مشاركة شركات العملات الرقمية بشكل أوضح من خلال انخراطها المتزايد في المجالات المالية والسياسية السائدة. فقد ضخت لجان العمل السياسي المؤيدة للعملات الرقمية عشرات الملايين في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024 لدعم المرشحين المؤيدين لهذه الصناعة. على سبيل المثال، أنفقت Fairshake، وهي لجنة عمل سياسي مؤيدة للعملات الرقمية أُطلقت في ديسمبر 2023، نحو 14.4 مليون دولار لدعم المرشحين للكونغرس الذين يدافعون عن الأصول الرقمية. تسلط هذه المساهمات الضوء على نضوج قطاع العملات الرقمية وتحوله إلى قطاع ذات نفوذ مالي وسياسي كبير.

الإمارات: ساحة معركة رئيسية لتبني العملات الرقمية

مع استمرار حالة عدم اليقين التنظيمي في أمريكا الشمالية وأوروبا، تبرز الإمارات العربية المتحدة كساحة معركة رئيسية حيث تبتكر البورصات أساليب جديدة لتحقيق تبنٍ أوسع. تسلط حملات OKX وCoinMENA الضوء على كيفية انتقال شركات الكريبتو إلى ما هو أبعد من صورتها التقنية البحتة، لتتفاعل مع المستخدمين بطرق تتماشى مع المخاوف المالية السائدة. سواء من خلال الامتثال التنظيمي أو تحدي المعايير المالية التقليدية، فإن الرسالة واضحة: لم تعد منصات الكريبتو مجرد جهات معطلة تكنولوجيًا، بل أصبحت جزءًا أكثر تكاملًا في عملية صنع القرار المالي اليومي في الإمارات العربية المتحدة.

ومع تحول الإمارات العربية المتحدة إلى مركز رئيسي للأصول الرقمية، تعمل منصات الكريبتو على تمهيد الطريق لنظام بيئي أكثر تنظيمًا وسهولة في الوصول. ومع تزايد عدد البورصات التي تقدم تكاملات مصرفية محلية، وأمانًا بمستوى المؤسسات، وأطرًا تنظيمية واضحة، فقد يصبح قطاع الكريبتو أقرب إلى التمويل التقليدي أكثر من أي وقت مضى.