مواجهة قوية بين الهيئة الأمريكية للأوراق المالية والعملات الرقمية.. ما السيناريوهات المحتملة؟

في عالمٍ كمجال العملات الرقمية، يعجّ بالتحديات والتغيرات السريعة، تخوض الهيئة الأمريكية للأوراق المالية معركة شرسة حاليًّا ضد شركات العملات الرقمية الكبرى، وذلك بهدف تحديد مستقبل هذا القطاع المثير. وفي ضوء الأحداث الأخيرة، أصبحت هذه المعركة أكثر حماسة وتأثيرًا من أي وقت مضى.
خلال الأيام القليلة الماضية، تعرضت بورصتا العملات الرقمية العملاقتين بينانس وكوين بيس لدعاوى قانونية متتالية من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، مما أدى إلى انسحاب عدد ليس بقليل من المستثمرين حول العالم من سوق العملات الرقمية بسبب الذّعر الّذي حلّ وخاصّةً ضمن الولايات المتحدة.
شهدت العمليات في منصة العملات الرقمية بينانس، سحب أكثر من 1.3 مليار دولار (4.77 مليار درهم) من العملات من قبل العملاء بعد تقديم الهيئة (SEC) دعوى قضائية ضدها يوم الاثنين.
وفي اليوم التالي، رفعت الهيئة دعوى قضائية ضد منصة العملات الرقمية الأمريكية كوين بيس، لتكون هذه الدعوى الثانية خلال يومين ضد منصة عملات رقمية ضخمة ثانية. تعرضت كوين بيس لخسائر صافية مماثلة بلغت 1.3 مليار دولار من ودائع العملاء بعد الدعوى القضائية، حسب التقديرات الأولية من شركة تحليلات البيانات الأمريكية نانسن. “على الرغم من أن إجمالي المبالغ المسحوبة عالية، إلا أن بينانس لا تزال تمتلك أكثر من 54 مليار دولار (200 مليار درهم) في محافظها المعروفة، وتشكل عمليات السحب أقل من 10 في المائة من إجمالي الأموال في المحافظ المعروفة”.
تحديد دور الرقابة على شركات العملات الرقمية
منذ تولي غاري جينسلر منصب رئيس الهيئة الأمريكية للأوراق المالية قبل عامين، كانت رسالته واضحة لشركات العملات الرقمية: سيبذل كل جهد ممكن لوضع حدٍ لعالم يشبه “الفضاء المجهول”.
والأسبوع الفائت، أثبت تحقيق تهديداته بشكلٍ كبير. ذلك بعدما كشفت الهيئة الأمريكية للأوراق المالية، كما ذكر سابقًا، عن سلسلة من التهم الموجهة لاثنتين من أكبر منصات العملات الرقمية في العالم، بينانس وكوين بيس، مما يشكل انطلاقة لمعركة قانونية ستساهم في تحديد مستقبل العملات الرقمية. وفيما يلي ما يجب معرفته عن هذه المعركة وسبب أهميتها.
جوهر القضيتين
تعتبر هاتين القضيتين إجابة لسؤال حاسم: من يحق له رقابة شركات العملات الرقمية؟
تعد كل من بينانس وكوين بيس شركتان معروفتان جيدًا في مجال العملات الرقمية. يتم تداول مليارات الدولارات من الأصول الرقمية على هاتين المنصتين يوميًا، ولديهما عملاء في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن العملات الرقمية، منذ بدايتها، تتطور ضمن إطار تنظيمي غامض بعض الشيء أو غير محصور. ففي نهاية المطاف، تم تحديد معظم قواعد وقوانين التمويل العالمية السابقة والمعترف بها قبل ظهور العملات الرقمية.
لذا، لا تزال المواجهة مستمرة بين الهيئة الأمريكية للأوراق المالية والهيئة الفيدرالية الأخرى للتداول بالسلع (CFTC)، بشأن أي هيئة لديها السلطة للإشراف على هذه الأصول والقطاع الأوسع للعملات الرقمية.
ويعتقد جينسلر أن معظم العملات الرقمية هي أوراق مالية، وبالتالي، تمنح القوانين الحالية السلطة لهيئته لتنظيمها، وبالتالي تنظيم المواقع والتطبيقات التي يتم بها الشراء والبيع.
وعلى الرغم من اختلاف هاتين الدعوتين بالعديد من الجوانب، إلا أن بينانس وكوين بيس يتم اتهامهما بعدم توافق نوعية الخدمات وتصنيفها لدى الهيئة الأمريكية للأوراق المالية وبإرشاداتها. وهذا أمر تصارع شركات العملات الرقمية من أجله بكل قوة. وكذلك وعلى نحوٍ مقصود، تم تصميم العملات الرقمية للعمل خارج النظام المالي التقليدي. وما يرغب فيه العديد من شركات العملات الرقمية هو وضع قواعد جديدة تنطبق فقط على هذا المجال.
إذا نجحت الهيئة الأمريكية للأوراق المالية في المحاكم، فقد تضطر شركات العملات الرقمية لتسجيل كل خدماتها لديها وبناءً على إرشاداتها الرسمية، وهذا سيكون تغييرًا جذريًا في الأسس التي يقوم عليها هذا المجال. وتأكيدًا على أن هذه الدعوات ضد الشركتين العملاقتين سيغيران الكثير في مجرى الصناعة، يقول تيموثي ماساد، رئيس الهيئة الفيدرالية السابق للتداول بالسلع (CFTC): “أعتقد أن هذه القضايا ستكون أساسية في تشكيل تنظيم العملات الرقمية”.
ماذا سيحدث الآن؟
بكل الأحوال، هذا صراع قائم على البقاء بالنسبة لهاتين الشركتين.
قد تواجه بينانس، على سبيل المثال، اتهامات خطيرة، بما في ذلك اتهام المنصة والرئيس التنفيذي لها، تشانغبينغ زاو، بإضلال المستثمرين بشأن قدرة المنصة على اكتشاف التلاعب في السوق، واستخدام أموال العملاء بطريقة غير قانونية.
وفي الوقت نفسه، يقول محلل يمثل شركة كوين بيس، إن كوين بيس قد تظهر “كيانًا مختلفًا تمامًا عن اليوم”.
وقد قررت كلتا هاتين الشركتين مقاومة الاتهامات الموجهة إليهما والاستعداد لمواجهة المشكلة لفترة طويلة.
يقول بول جروال، رئيس القسم القانوني في كوين بيس: “نعمل كالمعتاد”. “قد لا تحل هذه القضايا في بضعة أشهر فحسب، بل قد تمتد لسنوات عديدة.”
كلما استمر هذا الأمر، زادت فرص تأثيره على رؤية المستثمرين لهاتين الشركتين في مجال العملات الرقمية. وبالفعل، منذ إعلان هذه الدعاوى القضائية، شهدت منصتي كوين بيس وبينانس تدفقًا كبيرًا للأموال المستخرجة منهما.
ويصرح أيضًا تيموثي ماساد: “سيؤثر هذا على موقف الناس تجاه التداول، وستضطر كوين بيس للتفكير في ذلك”. “هل يمكن لهذه الشركات حقًا أن تتحمل مجرد مواجهة هذه الأمور، أم لديها حافز للتوصل إلى تسوية؟”
أثر القضية على عالم العملات الرقمية
ليست هذه القضية ذات أهمية فقط بالنسبة لبينانس وكوين بيس، بل للقطاع بأكمله.
في حالة فوز الهيئة الأمريكية للأوراق المالية في هذه القضية، فقد يكون لذلك تأثير هائل على قواعد اللعبة لشركات العملات الرقمية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص وحول العالم. قد يتعين على هذه الشركات التوافق مع اللوائح والمتطلبات القانونية الجديدة، مما يزيد من التكاليف والتحديات التشغيلية وهذا يمكن أن يغيّر القواعد الجوهرية التي تقوم عليها العملات الرقمية.
بالإضافة إلى ذلك، إن نجاح الهيئة الأمريكية للأوراق المالية في هذه القضية قد يؤدي إلى تعزيز الجهود الدولية لتنظيم العملات الرقمية. وقد تتأثر السوق العالمية بشكل كبير، وقد يشكل هذا تحولًا في النظام المالي العالمي.
المستقبل
بغض النظر عن نتيجة هذه القضية، فإن المؤكد أن عالم العملات الرقمية سيواجه تحديات كبيرة في المستقبل القريب. ستتطلب هذه الصناعة مزيدًا من الشفافية والتنظيم لكسب ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية التقليدية.
وعلى الرغم من المقاومة والتحديات التي تواجهها الشركات الكبرى في هذا المجال، قد تفتح هذه الأزمة الباب لتطوير إطار قانوني أفضل للعملات الرقمية وتوفير بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا للاستثمار والتداول.
لذلك، يجب أن تتخذ الهيئات التنظيمية وشركات العملات الرقمية خطوات جادة نحو التعاون والتفاهم لضمان تطوير وازدهار هذا القطاع المتنامي بطريقة مستدامة ومستقرة وبطريقة لا تغيّر من جوهره ولا مركزيّته.
استمرار المعركة
في النهاية، تستمرّ المعركة اليوم بين الهيئة الأمريكية للأوراق المالية وشركات العملات الرقمية. ستحدد نتيجة هذه القضية والتطورات المستقبلية مستقبل هذه الصناعة المثيرة ودور الرقابة عليها. وربّما لن تكونا شركتا بينانس وكوين بيس هما الوحيدتان!
وسواءً كانت النتيجة لصالح الهيئة الأمريكية للأوراق المالية أو لشركات العملات الرقمية، فالمؤكد هو أن عالم العملات الرقمية سيظل في حالة تغير وتطور مستمر، وسيستمر النقاش حول القوانين واللوائح التي تحكمه. فهل سنشهد على شركات جديدة مدّعى عليها في المستقبل القريب؟