إختيار المحرراختيار المحررتقاريرشبكات بلوكتشينعملات رقمية حكوميةمساحة رأي

“الدولرة” مقابل العملات الرقمية: تحدّي نحو المستقبل المالي

يشهد العالم اليوم تطورًا هائلًا في مجال التكنولوجيا المالية، ولاسيما في مجال العملات الرقمية. في الوقت نفسه، نرى استمرار ظاهرة هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي. فهل سيشهد العالم توازناً مالياً في المستقبل بين “الدولرة” والعملات الرقمية؟ وما هي التحديات التي يواجهها كل منهما؟ والفرص المتاحة لإمكانية هيمنة واحد منهما؟

لقد شهد الدولار الأميركي نموًا هائلاً كعملة احتياطية عالمية تاريخياً، وتعززت مكانته بفضل الاقتصاد والسياسات الأميركية والثقة التي يتمتع بها في الأسواق العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إلا أن هذه العملة العالمية تواجه أيضاً تحديات جديدة عدا عن التقدم التكنولوجي الذي يظهره مجال العملات الرقمية. فالعملات الرقمية تتيح مزايا عدة جديدة تميزها عن الدولار مثل السرعة والأمان والتحكم الفردي، مما يجعلها خيارًا جاذبًا للمستخدمين.

دول تتراجع عن الدولرة

وتلوح في الأفق خلال السنوات الأخيرة الظاهرة المعاكسة لهيمنة الدولار الأميركي وهي “التراجع عن الدولرة-Dedollarisation”، أي انتقال الدول من استخدام الدولار كعملة أساسية معتمدة لمعاملاتها خارجياً ودولياً إلى اعتماد عملتها المحلية أو العملات الرقمية. وتتجلى أهمية هذا التحول في الحفاظ على السيادة المالية وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية والأنظمة المالية الخارجية. وتكمن قوة قطاع العملات الرقمية بأنه بديل أساسي يمكن أن يساهم في تحقيق الأهداف من “التخلي عن الدولرة”.

فعلياً، لقد شهدنا بعض الأمثلة على البلدان التي تسعى لتعزيز استخدام العملات الرقمية عوضاً عن اعتماد الدولار الأميركي. وضمن الأمثلة دولة روسيا التي تعمل على تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية. وبالإضافة إلى ذلك، تسعى روسيا إلى تطوير بنية تحتية تقنية تدعم استخدام العملات الرقمية وتشجع على الابتكار في هذا المجال. ومثال آخر، دولة الصين التي تعمل اليوم على تعزيز استخدام اليوان الصيني في العمليات التجارية والاستثمارات الدولية. ومن خلال إطلاق اليوان الرقمي، تسعى الصين إلى تحقيق التحول نحو العملات الرقمية وتعزيز دورها كقوة اقتصادية عالمية مستقلة. وكذلك أيضًا العديد من الدول الأخرى التي تسعى اليوم لاستخدام العملات الرقمية لتعزيز استقلاليتها المالية وتحقيق التنمية الاقتصادية.

في حين يظهر هذا الانتقال نحو العملات الرقمية أو العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية (CBDCs) في بعض البلدان، بالمقابل لا يزال الدولار يحتفظ بمكانته القوية كعملة عالمية. ومع ذلك، يمكن للعملات الرقمية أن تلعب دورًا مهمًا في تنويع احتياطيات المحفظة المالية العالمية وتوفير حلول بديلة في حالات الاضطرابات الاقتصادية والسياسية العالمية.

البلوكتشين تقنيّة واعدة

بغض النظر عن النتائج النهائية لهذا التحول ما بين الدولار والعملات الرقمية، فإن تقنية البلوكتشين التي تقوم عليها العملات الرقمية قد أثبتت منافعها كقوة قابلة للتحويل والتطوير في العديد من المجالات وليس فقط في المجال المالي. إذ يمكن أن يكون للبلوكتشين تأثير إيجابي على الشفافية والأمان والفعالية في النظام المالي العالمي. وبالتالي، فإن استمرار التطور التقني مع هذه التقنية والاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية سيستمر في تحديد مستقبل النظام المالي العالمي.

من جانبٍ آخر، لا يمكن إنكار أهمية الدولار كعملة عالمية ووحدة قياس للقيمة. فالدولار يعتبر العملة المفضلة للتجارة العالمية والتسويات المالية الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تترسخ تاريخياً أهمية الدولار كملاذ آمن في فترات الاضطرابات الاقتصادية تجعله لا يزال خيارًا مفضلًا للعديد من الأفراد والشركات والدول ومن الصعب تلاشي اعتماده في ليلةٍ وضحاها حتى وقتنا هذا. لكن مع الأحداث المتنامية مؤخراً حول العالم والسبل البديلة المتاحة تُطرَح تساؤلات كثيرة!

موضوعياً.. ماذا يحمل المستقبل؟

بناءً على ما سبق، يبدو جلياً أنه خلال الفترة الحالية وللمستقبل القريب من الممكن أن ينشأ توازن بين الدولرة والعملات الرقمية. وكذلك، يمكن لكل منهما أن يكون له دوره ومكانته في النظام المالي العالمي، وذلك بناءً على الاحتياجات والتطورات الاقتصادية والتكنولوجية.

ومن الجانب الآخر، يمكن أن تستفيد العملات الرقمية من التقدم التقني المستمر والاهتمام المتزايد بها لتعزيز دورها كوسيلة للتبادل والاستثمار في المستقبل.

ومع ذلك، تبقى هناك تحديات مهمة يجب التغلب عليها لتحقيق التوازن المستقبلي بين العملات المعتمدة عالمياً والعملات الرقمية. أحد هذه التحديات هو التنظيم والقوانين المتعلقة بالعملات الرقمية، فعلى الرغم من الفوائد العديدة التي توفرها التقنيات اللامركزية، إلا أن هناك حاجة لتطوير إطار تنظيمي فعال يحمي المستثمرين ويضمن سلامة الأنظمة المالية دون إلغاء ما يميّز هذه العملات من لا مركزية وشفافية وغيرها. علاوةً على ذلك، تواجه العملات الرقمية تحديات تقنية تتعلق بالقدرة على الاتصال بالأنظمة المالية التقليدية. فمن المهم أن تتمتع العملات الرقمية بالسلاسة كذلك وسهولة الاندماج بالأنظمة المالية لضمان قبولها واعتمادها من قبل المؤسسات المالية الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والسياسية التي تؤثر بشكلٍ كبير على استخدام الدولار والعملات الرقمية.

وفي الواقع يبدو جلياً أن التحول نحو العملات الرقمية ليس عملية سهلة ولا يمكن أن يكون فوري. هناك تحديات فنية وتنظيمية يحتاج القطاع إلى تجاوزها، بالإضافة إلى تحقيق التوافق بين النظام المالي التقليدي والتقدم التقني. أما بصفتها مصدرًا للابتكار المالي والتحول التكنولوجي، تحمل العملات الرقمية الكثير من الوعود والفرص. ومن المهم أن نتعامل مع هذا التحول برويّة وتوازن، مع مراعاة الفوائد والتحديات التي ترافقه.

في النهاية، يبقى النظام المالي العالمي قائمًا على التعاون والتنسيق بين الدول والمؤسسات المالية. بالتالي، فإنه من الضروري أن يكون هناك حوار مفتوح وشامل بين الحكومات والمؤسسات المالية والخبراء في هذا المجال للتفاوض والتعاون لإيجاد توازن يحقق الاستقرار المالي ويعزز الابتكار التكنولوجي في العملات الرقمية في حال لجأت الدول بالفعل لتقليل اعتمادها الدولار الأميركي.

أما المؤكد فهو أن العملات الرقمية قد تغير الوجهة المستقبلية للنظام المالي العالمي وأساليب التبادل المالي. وبغض النظر عن التطورات المستقبلية، فإن المسار النهائي بشأن الدولار والعملات الرقمية يجب أن يتم بناءً على البيانات والدراسات والتحليلات الموضوعية مع الأخذ بعين الاعتبار أن العملات الرقمية لا تزال في مراحلها الأولية وتحتاج إلى المزيد من الفهم المجتمعي عالمياً وكذلك التنظيم والتطوير. فهل سنشهد حقاً توازناً ما بين الدولار الأميركي والعملات الرقمية مستقبلاً؟ أم أن الصراع سيحتدم لسيطرة أحد منهما؟

غوى أسعد

غوى أسعد، صحافية ومحررة باللغة العربية في موقع "أنلوك بلوكتشين"، حازت على شهادة جامعية باختصاص "الصحافة وعلوم الإعلام" من الجامعة اللبنانية- كلية الإعلام، مهتمة بمعرفة المزيد وبالكتابة الصحفية المتخصصة عن تقنية "البلوكتشين" والعملات الرقمية وكل التقنيات المستجدة المرتبطة بهذا المجال. عملت سابقًا في مؤسسات إعلامية لبنانية. تتخصص الآن في مجال الصحافة، مهنيًّا وأكاديميًّا، تحضيرًا لنيل شهادة الماجستير في الصحافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى